الأول هو المشهورُ من مذهبِ الإمامِ أحمد رحمه الله، وعلَّلوا ذلك بعموم قوله تبارك وتعالى:{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤] يعني: فأفطرَ فعِدَّةٌ مِن أيامٍ أُخَر. وهذا الآن سافرَ وصار على سَفَرٍ، فيَصْدُقُ عليه أنه مِمَّن رُخِّصَ له في الفِطْر فيُفطِر.
والقول الثاني علَّلوا بأنَّ الإنسانَ شَرَعَ في صومٍ واجبٍ فلَزِمَهُ إتمامُه، كما لو شَرَعَ في القضاء فإنه يَلْزمُهُ أنْ يُتِمَّ، وإنْ كان لولا شُروعه لم يَلْزمه أنْ يصوم؛ يعني مثلًا: إنسانٌ عليه يومٌ من رمضانَ فقال: أَصُومه غدًا. أو: بعدَ غدٍ. نقول: أنتَ بالخيار غدًا أو بعدَ غدٍ. لكنْ إذا صامه غدًا فهلْ له أن يُفطِر في أثنائه ليصوم بعدَ غدٍ؟ لا، فهذا مِثْله.
لكن الصحيح ما ذهبَ إليه المؤلف أنَّ له أنْ يُفطِر، وقد جاءت السُّنَّة بذلك والآثارُ عن الصحابةِ رضي الله عنهم أنَّه إذا سافرَ في أثناء اليومِ فله الفِطْر.
ولكنْ هلْ يُشترط أنْ يُفارِقَ قريتَهُ، أوْ إذا عَزَمَ على السفرِ وارتحلَ فله أنْ يُفطِر؟
في هذا أيضًا قولانِ عن السلف، والصحيحُ أنه لا يُفطِر حتى يُفارِقَ القريةَ؛ لأنه لم يكن الآنَ على سَفَرٍ ولكنَّهُ ناوٍ للسفر، ولذلك لا يجوز أنْ يَقصُر الصلاةَ حتى يخرجَ من البلد، فكذلك لا يجوز أن يُفطِر حتى يخرج من البلد.
وإذا جازَ أنْ يُفطِر بعد السفرِ في أثناء اليومِ فهلْ يُفطِر بالأكلِ والشربِ أو بأيِّ مفطرٍ شاء؟
الجواب: الثاني؛ له أنْ يُفطِر بالأكلِ والشربِ وجماعِ أهله إذا كانوا معه، أيّ مُفْطِرٍ له أنْ يفعله.
***
ثم قال المؤلف:(وإنْ أفطرتْ حاملٌ أو مُرضِعٌ خوفًا على أنفُسِهما قَضَتَاهُ فقط، وعلى ولدَيْهِمَا قَضَتَا وأطْعَمَتَا لكُلِّ يومٍ مسكينًا).