للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هناك دليل في الكتاب والسُّنَّة أن مناط الحكم وصول الشيء إلى الجوف، لو كان هناك دليل لقلنا: كل ما وصل إلى الجوف من أي منفذ كان فإنه مُفَطِّر، لكن الكتاب والسُّنَّة دلَّا على شيء معين، وهو الأكل والشرب، وهذا ليس أكلًا ولا شربًا، لا عرفًا ولا لغة، وليس مناط الحكم أن يصل الشيء إلى الجوف حتى نقول: إن هذا مُفَطِّر، لكن بعض العلماء المعاصرين يقول: إن الحقنة إذا وصلت إلى الأمعاء فإن البدن يمتصها عن طريق الأمعاء الدقيقة، وإذا امتصها انتفع منها، فكان ما يصل إلى هذه الأمعاء الدقيقة كالذي يصل إلى المعدة من حيث التغذي به، وهذا من حيث المعنى قد يكون قويًّا، لكن قد يقول قائل: إن العلة في تفطير الصائم بالأكل والشرب ليست مجرد التغذية، وإنما هي التغذية مع التلذذ بالأكل والشرب، فتكون العلة مركبةً من جزأين، أحدهما: وصول الشيء إلى الجوف، والثاني: التلذذ بالأكل والشرب؛ لأن التلذذ بالأكل والشرب مما تطلبه النفوس، والدليل على هذا أن المريض إذا غُذِّي بالإبر لمدة يومين ثلاثة تجده في أشد ما يكون شوقًا إلى الطعام والشراب، مع أنه متغذٍّ، فلقائل أن يقول: ليست العلة هي وصول الشيء إلى الجوف، بل العلة مركبة من شيئين: أحدهما ذلك، والثاني التلذذ.

وبناء على هذا -وليس هذا ببعيد- نقول: إن الحقنة لا تُفَطِّر مطلقًا، ولو كان الجسم يتغذى بها عن طريق الأمعاء الدقيقة، فيكون القول الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية مطلقًا، ولا التفات إلى ما قاله بعض المعاصرين وهو أن الحقنة لا تُفَطِّر. ومن الحقن المعروفة الآن ما يوضع في الدبُر عند شدة الحمى، فإن هذا معروف عند الأطباء، ومنها أيضًا ما يُدْخَل في الدبر من أجل العلم بحرارة المريض وما أشبه ذلك، فكل هذا لا يُفَطِّر.

<<  <  ج: ص:  >  >>