وهنا (يَبْتَلِع) معطوفة على (جَمْع)، و (جَمْع) اسم خالص، يعني مصدر، ومنه قول الشاعر الجاهلي:
وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي
أَحَبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ
و(تقرَّ) بالنصب معطوفة على (لُبس).
هنا (يَبْتَلِع) بالنصب معطوفة على (جَمْع)، يعني: يُكره جمع ريقه، يُكره أن يجمع ريقه فيبتلعه، سواءٌ فعل ذلك عبثًا، أو فعل ذلك لدفع العطش، أو لأي سبب، المهم أنه يُكْرَه أن يجمعه فيبتلعه، لماذا؟ قال في الشرح: للخروج من الخلاف، أي: خلاف من قال: إنه إذا فعل ذلك أفطر، فإن من العلماء من يقول: إن الصائم إذا جمع ريقه فابتلعه أفطر.
ولكن هل التعليل بالخلاف تعليل صحيح تثبت به الأحكام الشرعية؟
الجواب: لا، ولهذا كلما رأيت حكمًا عُلِّل بالخروج من الخلاف فإنه لا يكون تعليلًا صحيحًا، بل نقول: الخلاف إن كان له حظ من النظر بأن كانت النصوص تحتمله فإنه يُراعَى جانب الخلاف هنا، لا من أجل أن فلانًا خالف، ولكن من أجل أن النصوص تحتمله، فيكون تجنبه من باب الاحتياط، وأما أن نقول في أمر فيه خلاف: يُكْرَه خروجًا من الخلاف، لو قلنا بذلك لكانت المكروهات عندنا كثيرة جدًّا؛ لأنك لا تكاد تجد مسألة إلَّا وفيها خلاف، فلو قلنا: إنه يصح التعليل بالخلاف أو بمراعاة الخلاف لكان في هذا مشكلة، مع أنه لا دليل على هذا، بل نقول: الخلاف إن كان له أيش؟
طالب: حظ من النظر.
الشيخ: حظ من النظر، بأن كانت النصوص تحتمله، فإننا نراعيه لا لأجل أنه خالف فلان وفلان، لكن لأجل احتمال الأدلة، وهنا ليس هناك دليل يدل على أن جمع الريق يُفَطِّر، إذا جمعه إنسان وابتلعه، وإذا لم يكن هناك دليل فإنه لا يصِح التعليل.
وعلى هذا فنقول: لو جمع ريقه فابتلعه فليس بمكروه، ولا يقال: إن الصوم نَقَص بذلك؛ لأننا إذا قلنا: إنه مكروه، لزم من ذلك أن يكون الصوم ناقصًا؛ لفعل المكروه فيه.