وعُلِم من كلام المؤلف أنه لو بلع ريقه بلا جمع فإنه لا كراهة في ذلك، وهو ظاهر، وعليه فلا يجب التَّفْل ولو بعد شرب الماء عند أذان الفجر، فإنه لم يُعْهَد من الصحابة - فيما نعلم- أن الإنسان إذا شرب عند طلوع الفجر جعل يَتْفُل حتى يذهب طعم الماء، بل هذا مما يُسامَح فيه، نعم لو بقي طعم طعامٍ كحلاوة تمر، أو ما أشبه ذلك فهذا لا بد أن يتفله ولا يبتلعه.
(يُكْرَهُ جَمْعُ رِيقِهِ فَيَبْتَلِعَهُ وَيَحْرُمُ بَلْعُ النُّخَامَةِ) بلع النُخامة حرام على الصائم وغير الصائم؛ وذلك لأنها مستقذَرة، وربما تحمل أمراضًا خرجت من البدن، فإذا رددتها إلى المعدة قد يكون في ذلك ضرر عليك، فهي حرام على الصائم وعلى غيره، لكنها تتأكد على الصائم؛ لأنها تُفْسِد صومه، ولهذا قال:(وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ).
بلع النخامة حرام، قلنا: على الصائم وغيره؛ لما فيها من القَذَر، وربما يحصل فيها ضرر على البدن من حيث لا يشعر المرء.
وقوله:(وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ)، (فَقَطْ) التفقيط هنا لإخراج الريق، فالريق ولو كثُر لا يُفْطِر به الإنسان.
(إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ)، وهو ما يذوق به الطعام، فإن لم تَصِل بأن أحس بها نزلت من دماغه، وذهبت إلى جوفه فإنها لا تُفَطِّر؛ وذلك لأنها لم تصل إلى ظاهر البدن، والفم في حكم الظاهر، فإذا وصلت إليه ثم ابتلعها بعد ذلك أفطر، وأما إذا لم تصل إليه فإنها ما زالت في حكم الباطن فلا تُفَطِّر.
وفي المسألة قول آخر في المذهب؛ أنها لا تُفَطِّر أيضًا ولو وصلت إلى الفم، وهذا القول أرجح؛ لأنها لم تخرج من الفم، ولا يُعَدُّ بلعها أكلًا ولا شربًا، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه فإنه لا يُفْطِر بها، ولكن - كما قلنا أولًا- إن ابتلاعها محرَّم؛ لما فيها من استقذار وخوف الضرر.
إذا ظهر دم من لسانه، أو من أسنانه، من لِثَتِه فهل يجوز بلعه؟