للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ: على الصائم، لكن حتى غيره يجب عليه أن يتجنب هذه الأشياء، ولكنهم ذكروا هذا من باب التوكيد؛ لأنه يتأكد على الصائم من فعل الواجبات وترك المحرمات ما لا يتأكد على غيره، ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: ١٨٣] هذه الحكمة، هذه هي الحكمة من فرض الصيام؛ أن يكون وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات.

والدليل من السنة قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» (١)، يعني: لم يرد الله منا بالصوم أن نترك الطعام والشراب؛ لأنه لو كان هذا مراد الله لكان يقتضي أن الله يريد أن يعذبنا، والله تعالى يقول: {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} [النساء: ١٤٧]، إنما يريد منا عز وجل أن نتقي الله {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ» أي: الكذب، وإن شئت فقل: الزور كل قول محرم؛ لأنه ازْوَرَّ عن الطريق السليم.

«وَالْعَمَلَ بِهِ» أي: بالزور؛ وهو كل فعل محرم، «وَالْجَهْلَ»: السفاهة، السفه وعدم الحلم، مثل: الصخب في الأسواق، السب مع الناس، وما أشبه ذلك، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَصْخَبْ» يعني: لا يرفع الأصوات، بل يكون مؤدَّبًا، «وَلَا يَرْفُثْ، وَإِنْ أَحَدٌ سَابَّهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» (٢).

فالإنسان ينبغي أن يكون مؤدبًا، وبهذا نعرف الحكمة البالغة من مشروعية الصوم، لو أننا تربينا بهذه التربية العظيمة لخرج رمضان والإنسان على خُلُقٍ ليس على خلقه الأول، في الالتزام وفي الأخلاق وفي الآداب؛ لأنه تربية في الواقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>