للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما وجوب القضاء فواضح؛ لأنه دين في ذمته لم يقضه فلزمه قضاؤه، وأما الإطعام فجبرًا لما أخل به من تفويت الوقت المحدد، فيكون هذا الإطعام جبرًا للتأخير، يُطْعِم عن كل يوم مسكينًا يعني مع كل يوم يقضيه يطعم مسكينًا، فإذا قدَّرْنا أن عليه ستة أيام فيطعم معها ستة مساكين، وقد روي في هذا حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه أمر لمن أخَّر إلى ما بعد رمضان (٢٣)، لكنه حديث هالك الإسناد، ضعيف جدًّا لا تقوم به حجة، ولا تشغل به الذمة، وروي أيضًا عن ابن عباس (٢٤) رضي الله عنه وعن أبي هريرة (٢٥) أنه يلزمه الإطعام، وما ذكر عنهما فإنه ليس بحجة؛ وذلك لأن الحجة لا تثبت إلا بالكتاب والسنة، وأما أقوال الصحابة فإن في ثبوتها نظر إذا خالفت ظاهر القرآن.

وهنا إيجاب الطعام مخالف لظاهر القرآن؛ لأن الله لم يوجب إلا عدة من أيام أخر، لم يوجب أكثر من ذلك، وإذا لم يوجب إلا عدة من أيام أخر فإننا لا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة، على أن ما رُوِيَ عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعن أبي هريرة يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب، لا على سبيل الوجوب.

فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا أَخَّرَه إلى ما بعد رمضان الثاني وجب عليه الإطعام فقط، ولا يصحُّ منه الصيام، بناءً على أنه عمل عملًا ليس عليه أمر الله ورسوله، فيكون عمله باطلًا، أي يكون القضاء في غير وقته، كما لو صلى الصلاة في غير وقتها فإنها لا تُقْبَل منه إذا لم يكن هناك عذر يبيح تأخيرها.

فالأقوال إذن ثلاثة إطعام فقط، أو صيام فقط، أو الجمع بينهما، وأصح الأقوال أنه يلزمه الصيام فقط القضاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>