أمَّا كونها ليستْ بواجبةٍ فلأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أركانَ الإسلامِ وذَكَرَ منها صومَ رمضان دون غيره، وقد سأله الأعرابيُّ، بلْ سأله جبريل عليه الصلاة والسلام عن أركانِ الإسلامِ، فبيَّنَ له أنَّ منها صيام رمضان، ولا يجبُ سواه، اللهم إلا بنَذْرٍ.
وأمَّا استحبابُ صيامِها فنقول: إنَّ استحبابَ صيامِها لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخبرَ أو أَمَرَ أنْ يُصامَ اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وسُمِّيتْ بِيضًا لابْيِضَاضِ لياليها بنورِ القمر، ولهذا يُقال: أيامُ البِيضِ؛ يعني أيام الليالي البِيض، ما هو البِيض وصف للأيام، بلْ وصفٌ للَّيالي؛ لأنها بنور القمرِ صارتْ بيضاء.
أيامُ البِيض هي: اليومُ الثالث عشر، واليومُ الرابع عشر، واليومُ الخامس عشر، وهي تُغنِي عن صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ الذي قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«صِيامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»؛ لأن الحسنةَ بعَشْرِ أمثالِها؛ فثلاثةُ أيامٍ بثلاثينَ حسنةً عن شهرٍ، وكذلك الشهرُ الثاني والثالث، فيكون كأنَّما صامَ السَّنَةَ كُلَّها، وكان النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصوم ثلاثةَ أيامٍ من كلِّ شهرٍ؛ تقول عائشة: لا يُبالي أصامَها مِن أوَّلِ الشهرِ أو وَسَطِهِ أو آخِرِه.
فهاهُنا أمرانِ:
الأمر الأول: استحبابُ صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِّ شهرٍ سواءٌ في أوَّلِ الشهرِ أو وَسَطِهِ أو آخِرِه، وسواءٌ كانت متتابعة أم متفرِّقة.
الثاني: أنه ينبغي أنْ تكون هذه الأيامُ في أيامِ البِيض: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر؛ فتعيينها في أيام البِيض كتعيينِ الصلاةِ في أوَّل وقتِها؛ يعني أَفْضل وقتٍ للأيام الثلاثة هو أيام البِيض، ولكنْ مَن صامَ الأيامَ الثلاثةَ في غير أيام البِيض حَصَلَ على الأجْرِ وحَصَلَ له صيامُ الدهر.