علَّلوا هذا بأنه من شعائر الجاهلية، وأنَّ أهل الجاهلية هم الذين يُعَظِّمون هذا الشهر، وأمَّا السُّنة فلم تَرِدْ في تعظيمه، ولهذا قالوا: كلُّ حديثٍ يُروى في فَضْل الصلاة أو الصوم في رجبٍ فإنه كَذِبٌ باتفاق أهل العلم بالحديث. وقد ألَّفَ ابنُ حجرٍ رحمه الله رسالة صغيرة: تبيينُ العَجَب فيما وَرَدَ في فَضْلِ رَجَب، أو قال: في صومِ رَجَب.
وقوله:(يُكره إفرادُ رجبٍ) يؤخذ منه أنه لو صامه مع غيره فلا يُكره؛ وذلك لأنه إذا صام معه غيره لم يَكُن الصيامُ من أجْل تخصيص رجب؛ يعني لو صام شعبانَ ورَجَبًا فلا بأس، لو صام جمادى الثاني ورَجَبًا فلا بأس.
(يُكره إفرادُ رجبٍ والجمعةِ) الجمعةُ يُكره إفرادها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لَا تَصُومُوا يَوْمَ جُمُعَةٍ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ»، وقال:«لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ، وَلَا لَيْلَتَهَا بِقِيَامٍ»، وقال لإحدى أمهات المؤمنين وقد وجدها صائمةً يوم الجمعة:«أَصُمْتِ أَمْسِ؟ ». قالت: لا. قال:«أَتَصُومِينَ غَدًا؟ ». قالت: لا. قال:«فَأَفْطِرِي»، فإنْ صامها مع غيرها لم يُكره؛ لو صام الخميس والجمعة فلا بأس، أو الجمعة والسبت فلا بأس.
فإنْ صامها وحدها لا للتخصيص، لكنْ لأنه وقتُ فراغه؛ كرجُلٍ عاملٍ يعمل كلَّ أيام الأسبوع وليس له فراغ إلا يوم الجمعة، فهل يُكره؟
عندي أنَّ فيه ترددًا؛ إنْ نَظَرْنا إلى ما رواه مسلم:«لَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ» قلنا: إنَّ هذا لم يَخُصَّها.