لكن استثنينا ما إذا كان لضرورةٍ؛ مِثْل أنْ يشرع الإنسانُ في الصلاةِ ثم يُضْطر إلى قطعها لإطفاء حريقٍ أو صدِّ غَرَقٍ أو ما أشبهَ ذلك، ففي هذه الحال له أن يقطع الصلاة.
وهلْ يجوز أن يقطع الفرضَ ليأتي بما هو أكمَلُ؛ مِثْل أنْ يشرع في الفريضة في الصلاة، ثم يحسُّ بجماعةٍ دخلوا ليصلُّوا جماعةً، فهلْ له أن يقطع الصلاةَ هنا من أجْل أن يدخل في الجماعة؟
طالب: نعم.
الشيخ: الجواب نعم، له ذلك؛ لأن هذا الرجل لم يعمد إلى معصية الله ورسوله بقطع الفريضة، ولكنه قَطَعَها ليأتي بها على وجهٍ أكمَل، فهو لمصلحة الصلاة في الواقع، فلهذا قال العلماء في مِثْل هذه الحال: له أنْ يقطعها إلى ما هو أفضل.
وربما يُستدَلُّ لذلك بقصة الرجل الذي أتى النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مكة وقال: يا رسول الله إني نذرتُ إنْ فَتَحَ اللهُ عليك مكة أنْ أصلِّي ركعتينِ في بيت المقدس، أو قال: أنْ أصلِّي في بيت المقدس. قال:«صَلِّ هَاهُنَا». فأعادَ عليه مرَّتينِ أو ثلاثًا فقال:«شَأْنَكَ». يعني أنا أفتيتُك بأنه يجوز أنْ تصلِّي في مكة، وإذا أَصْرَرْتَ على أنْ تصلِّي هناك فشأنك؛ أي: فالزمْ شأنَك أو: فالأمرُ شأنُك وأمرُك.
فهنا أَذِنَ له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يصلِّي في مكة، لماذا؟ لأنها أفضل، وإنْ كان ذهابُه إلى بيت المقدس فيه نوعٌ من المشقَّة والتعب، ولكنْ لا يتقصَّد الإنسانُ التعبَ في العبادة، تقصُّد التعبِ في العبادة قد لا يكون فيه أجر، لكنْ إذا كانت العبادةُ لا تأتي إلا بتعبٍ كانت أفضل.
وهذه نقطةٌ ينبغي للإنسان أن يتنبَّه لها وهي: هلْ تقَصُّد التعب في العبادة أفضلُ أم الراحة؟
الجواب: الراحة أفضل، لكنْ لو كانت العبادةُ لا تأتي إلا بتعبٍ كانت المشقَّةُ والتعبُ أَفْضل؛ فيها أجْر، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يرفع الله به الدرجات ويُكفِّر به الخطايا قال:«إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ».