وهذه المسألة فيها نظر؛ لأننا نقول: الأحكام الشرعية تُتَلقى من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يعتكف النبي صلّى الله عليه وسلّم في غير رمضان إلا قضاءً، وكذلك ما علمنا أن أحدًا من أصحابه اعتكفوا في غير رمضان اللهم إلا قضاءً، لكن لما استفتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه نذر أن يعتكف ليلة أو يومًا، يومًا وليلة في المسجد الحرام قال له:«أَوْفِ بِنَذْرِكَ»(١٧)، ولكن الرسول لم يُشَرِّع ذلك لأمته شرعًا عامًا، بحيث يقال للناس: اعتكفوا في المساجد في رمضان، وفي غير رمضان فإن ذلك سنة.
فالذي يظهر لي: أن الإنسان لو اعتكف في غير رمضان، فإنه لا ينكر عليه بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذن لعمر أن يوفي بنذره، ولو كان هذا النذر مكروهًا أو حرامًا، لم يأذن له لوفائه بنذره.
لكننا لا نطلب من كل واحد أن يعتكف في كل وقت نقول: خير الهدي هدي محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، ولو كان الرسول يعلم أن في الاعتكاف في غير رمضان، بل في غير العشر الأواخر منه سنة وأجرًا لبينه للأمة حتى تعمل به؛ لأنه قد قيل له:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة: ٦٧]، وانظر الآن كما في حديث أبي سعيد اعتكف الرسول صلّى الله عليه وسلّم: العشر الأول، ثم الأوسط، ثم قيل له: إن ليلة القدر في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر (١٨)، ولم يعتكف في السنة الثانية العشر الأول، ولا الأوسط، مع أنه كان زمن للاعتكاف من قبل، والشهر رمضان شهر اعتكاف.
فالذي يظهر لي أنه لا يسن الاعتكاف، أي: لا يُطلب من الناس أن يعتكفوا إلا في العشر الأواخر فقط، لكن من تطوع وأراد أن يعتكف في غير ذلك، فإنه استئناسًا بحديث عمر لا ننهاه عن ذلك، ولا نقول: إن فعله بدعة، لكن نقول: الأفضل أن تقتدي بالرسول عليه الصلاة والسلام.