ولكن هناك فرق بين الصورتين الأخيرتين، من نذر أن يصوم معتكفًا لزمه الصوم والاعتكاف، ومن نذر أن يعتكف صائمًا لزمه الصوم والاعتكاف لكن بينهما فرق:
إذا نذر أن يصوم معتكفًا لزمه أن يعتكف من قبل الفجر إلى الغروب؛ لأنه نذر أن يصوم معتكفًا فلا بد أن يستغرق الاعتكاف كل اليوم.
أما إذا نذر أن يعتكف صائمًا فإنه يعتكف ولو في أثناء النهار، ولو ساعة من النهار؛ لأنه يصدق عليه أنه اعتكف صائمًا، ولهذا قد لا يفرِّق أو لا يعرف الفرق كثير من الطلبة في هذه المسألة.
إذا نذر أن يصوم معتكفًا أو أن يعتكف صائمًا يلزمه الجمع بينهما، لكن استيعاب الاعتكاف للصوم لليوم كله هل يلزم أو لا؟ على حسب ما سمعتم، إذا قال قائل: ما الدليل على وجوبهما بالنذر؟
قلنا: الدليل على هذا الدليل قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»(٢١).
والصوم طاعة، والاعتكاف طاعة.
لكن أحيانًا يراد بنذر الطاعة: الامتناع، أو الإقدام، أو التصديق، أو التكذيب؛ يعني أحيانًا يراد بنذر الطاعة واحد من هذه الأربعة: الامتناع، أو الإقدام، أو التصديق، أو التكذيب، فهل يجب الوفاء بها؟
يقول العلماء: لا يجب الوفاء، بل يخير بين الوفاء وكفارة اليمين.
مثاله قال: إن كلمت فلانًا، فللَّه عليَّ نذر أن أصوم أسبوعًا، ومراده أيش؟
الطلبة: الامتناع.
الشيخ: الامتناع، ما أراد الطاعة، أراد أن يمتنع، لكنه رأى أنه لا يتأكد الامتناع إلا إذا ألزم نفسه بهذا النذر.
إذن لو سألناه هل قصدك الصوم؟ لقال: لا، لو قصدت الصوم صمت بلا نذر، لكن أنا أريد أن أمنع نفسي وأؤكد المنع؛ لأني أعرف أن الصوم ثقيل عليّ فإذا قيدت الامتناع بالصوم امتنعت.
قال أهل العلم: هذا حكمه حكم اليمين، بمعنى أنه إن شاء صام الأسبوع، وإن شاء كفر عن يمينه، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»(٢٢).