نقول: تكون الحجة لهذا الرجل الذي حج، ويرد النفقة؛ أي: الدراهم التي أعطاها مَنْ وَكَّلَهُ يردها عليه؛ لأن ذلك العمل الذي وكله فيه لم يصح له، فيرد عوضه.
يقول المؤلف رحمه الله:(لَزِمَه أن يُقيم من يَحُجُّ ويعتمر عنه)، وعموم كلامه رحمه الله يدل على أنه يجوز أن يقيم الرجل امرأة، وأن تقيم المرأة رجلًا، من أين نأخذها؟ من عموم الاسم الموصول (مَنْ). وعلى هذا فللرجل أن يوكل امرأة وللمرأة أن توكِّل رجلًا.
ويدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده بالحج شيخًا كبيرًا لا يَثْبُت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال:«نَعَمْ»(٥)، فأَذِنَ لها أن تحج عن أبيها، وهي امرأة؛ فدل ذلك على أنه يجوز أن تحج المرأة عن الرجل، ومن باب أولى أن يحج الرجل عن المرأة.
لكن قال المؤلف:(من حيثُ وجبا)؛ أي: مِنَ المكان الذي وجب على المستنيب أن يحج منه؛ فمثلًا: إذا كان من أَهْل المدينة ووجب عليه الحج وهو في المدينة، يجب أن يقيم النائب من المدينة ولا بد، فلو أقام نائبًا من رابغ من الميقات فإن ذلك لا يجزئ.
لو أقام نائبًا من مكة فهو من باب أولى، يجب أن يقيمه من البلد الذي وجب عليه الحج فيه، وهذا وجب عليه الحج وهو في المدينة.
وبناء على هذا لو أن صاحب المدينة وَكَّل شخصًا في مكة يحج عنه لم يصح؛ لأن الواجب أن يقيم من المكان الذي وجب عليه الحج فيه. ما هي العلة؟ قالوا: لأن هذا الرجل لو أراد أن يحج لنفسه من أين ينطلق؟ من مكانه؛ من المدينة، فكذلك نائبه.
وهذا القول ضعيف؛ لأن المنيب إنما يلزمه أن ينطلق من بلده؛ لأنه لا يتمكن أن يقفز خطوة واحدة ويصل إلى مكة، أليس كذلك؟
ولهذا لو أن هذا المنيب في مكة قد سافر إليها لغرض غير الحج، إمّا لدراسة أو غيرها، ثم أراد أن يحرم بالفرض من مكة، هل نبيح له ذلك أو نقول: اذهب إلى المدينة لأنك من أهل المدينة، والحج واجب عليك في المدينة؟