فصارت المباشرة الآن توافق الجماع في شيء وتخالفه في أشياء؛ توافق الجماع في أن الفدية فيها بدنة، وتخالف الجماع في أنها لا تفسد النسك ولا الإحرام، ولا يجب القضاء.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على وجوب البدنة فيها؟
قلنا: الدليل القياس على الجماع؛ لأنها إذا قارنها الإنسان صارت فعلًا موجبًا للغسل، فأوجب الفدية كالجماع؛ يعني كما أن الجماع يُوجِب الغسل؛ فالفدية بإنزال تُوجِب الغسل فلزم فيها بدنة، وإلا ليس فيها نص ولا أقوال للصحابة، لكن قاسوها على الجماع من هذه الناحية؛ أن الجماع موجب للغسل، والمباشرة إذا قارنها الإنزال أوجبت الغسل.
ولكن هذا القياس ضعيف؛ لأنه كيف يُقاس فرع على أصل يخالفه في أكثر الأحكام، الآن المباشرة مع الإنزال لا توافق الجماع إلا في مسألة واحدة؛ وهي وجوب الغسل، وإلا فلا توافقه في وجوب الحد، ولا في أي شيء من الأحكام، حتى فساد الصيام بها مع الإنزال مختلف فيه، فلا يصح أن يقاس فرع على أصل يخالفه في أكثر الأحكام؛ لأنه يقال: ما السبب أنك ألحقته به في هذا الحكم مع أنه يخالفه في أحكام أخرى، لماذا لا تجعله مخالفًا له في هذا الحكم كما خالفه في الأحكام الأخرى؟ !
ولذلك كان الصحيح أن المباشرة لا تجب فيها البدنة، ليس فيها بدنة، فيها ما في بقية المحظورات، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.