وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء؛ فمن العلماء من قال: إن هذه الأشجار أو الحشائش ليس فيها جزاء، وهذا القول مذهب مالك وابن المنذر، وجماعة من أهل العلم، وهو الحق؛ لأنه ليس في السُّنَّة دليل صحيح يدل على وجوب الجزاء فيه، وما ورد عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- فيحتمل أنه من باب التعزير، رأوا أنه يعزَّر مَن قَطَعَ هذه الأشجار، بناء على جواز التعزير بالمال، ولو كان هذا -أعني الجزاء- واجبًا لبَيَّنَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ لا يمكن أن يدع أمته بلا بيان لما يجب عليهم، وبوفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم انقطع التشريع، وليس هذا من باب القياس حتى يقال: لعله يقاس على الصيد؛ لأن هنا فرقًا بين الصيد وبين الأشجار، فالأشجار نامية، لكن ليس بها الحياة التي في الصيود، فالصحيح أنه ليس فيه شيء، وأن الإنسان إذا قطع شجرة أو غصنًا منها، أو حش حشيشًا فإنه يأثم، ولكن لا جزاء عليه لا قليلًا ولا كثيرًا.
بقي أن يقال: لو كانت الأشجار في الطريق، فهل يجوز إزالتها من أجل الطريق؟
نقول: إن كان هناك ضرورة بحيث لا يمكن العدول بالطريق إلى محل آخر فلا بأس بقطعها، وإن لم يكن ضرورة فالواجب عدل الطريق عنها؛ لأنه يحرم قطعها بلا ضرورة.
فإن قال إنسان: إذا كانت الشجرة خارج الطريق لكن أغصانها ممتدة إلى الطريق وتؤذي المارة في شوكها وأغصانها، فهل تقطع؟
لا تقطع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال:«لَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا»(٤)، والشوك مؤذٍ، ومع ذلك نهى عن عضده، أي: قطعه، وبإمكان الإنسان أن ينزل رأسه حتى لا تصيبه الأغصان.
فإن قال قائل: إذا وطئ الإنسان على الحشيش بلا قصد، فهل عليه شيء؟