أقول: إن الإنسان لا يلتفت إلى الشك بعد الفراغ من العبادة؛ لأن ذلك يفتح عليه باب الوسواس والقلق، والشيطان يحرص على أن يكون الإنسان دائمًا في قلق، دائمًا في حزن، {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} يُدْخِل عليهم الحزن، {وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[المجادلة: ١٠].
فإن تيقَّنَ أنه ناقص شوطًا، فحينئذ يعمل باليقين، ويرجع ويأتي بالشوط، لكن في الغالب أن هذا لا يقع، الغالب أن الإنسان بعد أن يُتِمَّ الطواف وينصرف ويصلي ركعتين، الغالب أنه لا يتيقن أنه نقص، لكن إذا فرضنا ذلك وجب عليه أن يرجع ويأتي بالشوط السابع.
قال المؤلف:(أَوْ لَمْ يَنْوِهِ)، يعني: لم يَنْوِ الطواف، وإنما جعل يدور حول الكعبة ليتابع مَدِينًا له يطلبه دينًا، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه، لماذا؟ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»(١٣)، وهذا لم يَنْوِ الطواف، بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه، أو ما أشبه ذلك، نقول هذا لا يصح طوافه؛ لأنه لم يَنْوِهِ.
ولكن لو نوى الطواف مطلقًا دون أن ينويه للعمرة مثلًا، فهل يجزئ؟ في ذلك خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: لا يجزئ، بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعًا؛ كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب؛ أنه لا بد أن يعيِّن الطواف.