للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أنك تأملت لوجدت أنه يخالف الصلاة في أكثر الأحكام، وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام لا بد أن يكون منضبطًا، لا ينتقض بصورة من الصور.

وأما الاستدلال بقوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: ٢٦] فنقول: إنه لا يلزم من تطهير المسجد من الخبث أن يكون الإنسان الذي يطوف بالبيت طاهرًا من الحدث؛ لأنه لو لزم من ذلك لقلنا: يجب على الإنسان أن يتطهر لدخول المسجد الحرام، وإن لم يُرد الطواف، ولو كان كذلك أيضًا لكان مناقضًا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ» (٤).

وأما حديث عائشة وحديث صفية، فليس العلة عدم الطهارة، إنما العلة عدم جواز المكث في المسجد من الحائض، وهذا لا يستلزم وجوب الطهارة في الطواف؛ ولهذا كان القول الراجح أن المرأة الحائض إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزًا، لكنها تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر؛ أي: تجعل الحفاضة -كما يسمونها- على فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد.

وعليه، فالقول الراجح الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها -بلا شك- أفضل وأكمل، وأتبع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحيانًا يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام.

مثل: لو أحدث في أثناء طوافه في زحام شديد، فإن القول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ، ثم يأتي في هذا الزحام الشديد -ولا سيما إذا كان لم يبقَ عليه إلا بعض شوط- فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة، ولم يظهر فيه النص ظهورًا بيِّنًا، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: ١٨٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>