فإذا قلنا: إن مكانه الحاضر هو مكانه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل لنا فيما لو احتجنا إلى تأخيره ليتسع المطاف أن نُؤخره؟ الجواب: لا؛ لأنه توقيفي.
وإذا قلنا: إنه كان لاصقًا بالكعبة، ثم أخَّره عمر؛ فللاجتهاد في ذلك مجال، قد نقول بجواز تأخيره إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
وقوله:(يصلي ركعتين خلف المقام) ظاهر كلامه أنه لا يشترط فيهما الدنو من المقام، وأن السنة تحصل بهما، وإن كان مكانهما بعيدًا من المقام، وهو كذلك، ولكن كلما قرب من المقام فهو أفضل، إلا أنه إذا دار الأمر بين أن يصلي قريبًا من المقام مع كثرة حركته لرد المارين بين يديه، أو مع التشويش فيمن يأتي ويذهب، وبين أن يصلي بعيدًا عن المقام، لكن بطمأنينة، فأيهما أفضل؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني أفضل؛ لأن ما يتعلق بذات العبادة أوْلى بالمراعاة مما يتعلق بمكانها كما سبق، وعلى هذا، فلو تأخر الإنسان إلى ما حول المسعى وصلاهما فقد أتى بالسنة.
ثم قال المؤلف:(فصل). ولم يذكر الماتن -رحمه الله- ماذا يقرأ في هاتين الركعتين؛ لأنه مختصرٌ، لكن جاءت السنة بأنه يقرأ في الأولى:(قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية:(قل هو الله أحد)(٧)؛ لأنهما سورتا الإخلاص، فـ (قل يا أيها الكافرون) فيها إخلاص القصد، و (قل هو الله أحد) فيها إخلاص العقيدة، فالتوحيد في (قل هو الله أحد) توحيدٌ علمي عقدي، وفي (قل يا أيها الكافرون) عملي إرادي.
قال:(فصل: ثم يستلم الحجر، ويخرج إلى الصفا من بابه).
(ثم) أي: بعد الصلاة يعود، ويستلم الحجر، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (٥). والظاهر أن استلام الحجر لمن أراد أن يسعى، وأما من طاف طوافًا مجردًا، ولم يُرِدْ أن يسعى فإنه لا يُسنُّ له استلامه، وهذا الاستلام للحجر كالتوديع لمن قام من مجلس، فإنه إذا أتى إلى المجلس سلَّم، وإذا غادر المجلس سلَّم. هذا الظاهر والله أعلم.