إذا وصلَ إلى مزدلفة، ولا يَصِل إلى مزدلفة إذا دَفَعَ على صفةِ دفْعِ الرسول عليه الصلاة والسلام إلَّا بعد دخول وقت العِشاء، ولهذا كان جمْعُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في مزدلفةَ جمْعَ تأخيرٍ؛ لأنكم تصوَّروا أنَّه في أقصى عرفة من جهة الشرق، سيمُرُّ بجميع عرفة وهي واسعة، ويَمُرُّ بالطريق الذي بينها وبين مزدلفة، ثم إنَّه ثبت في الصحيح أنَّه عليه الصلاة والسلام نزلَ في الشِّعب -شِعب المأزِمَيْنِ- وبال، وتوضَّأ وضوءًا خفيفًا، وقال له أسامة: الصلاةَ يا رسول الله. قال:«الصَّلَاةُ أَمَامَكَ»(١٣). وهذا يقتضي وقتًا طويلًا، فلهذا كان وصولُه إلى مزدلفة إلى مَقَرِّه هناك بعد دخول وقت صلاةِ العِشاء بلا شك.
فإنْ قال قائل: هلْ يُسَنُّ أنْ ينزلَ الإنسانُ في أثناء الطريقِ وفي المكان الذي نزلَ فيه الرسولُ عليه الصلاة والسلام إنْ كان سار معه، ويبول ويتوضَّأ وُضوءًا خفيفًا أو لا؟
نقول: لا؛ لأنَّ هذا وقعَ اتفاقًا بمقتضى الطبيعة؛ احتاجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أنْ يبول فنزلَ فبالَ بمقتضى الطبيعة، لو أنَّه احتاجَ إلى أنْ يبول في غير هذا المكانِ لَنَزَلَ، ولو لم يحتجْ لم ينزلْ، والدليلُ على هذا أنَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا وصلَ إلى مزدلفة ووقفَ صلَّى المغرب قبل حَطِّ الرِّحال، ثم بَعْد صلاةِ المغرب حَطُّوا رِحالهم، ثم صلَّوا العِشاء (١٣)، فهذا دليلٌ على أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نزلَ هناك لا تعبُّدًا، ولكن اتفاقًا.
قال المؤلف:(ويبيتُ بها).
لو صلَّى المغربَ والعِشاءَ في الطريقِ، فهلْ يجوزُ أو لا؟
ذهب ابنُ حزمٍ مِنْجنيقُ العربِ إلى أنَّه لو صلَّى في الطريقِ لم يُجزِئه؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لأُسامة:«الصَّلَاةُ أَمَامَكَ».