أولًا:(خروج المني دفقًا بلذة لا بدونها) إلى آخره، هذا من موجبات الغسل، ودليله قوله سبحانه وتعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}[المائدة: ٦]، والجنب: هو الذي خرج منه المني دفقًا بلذة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»(٤)، الماء يعني الغسل؛ فعبَّر بالماء عنه، «مِنَ الْمَاءِ»؛ أي: من المني، فإذا خرج فإنه يوجب الغسل.
وظاهر الحديث أنه يجب الغسل سواء خرج على الوصف الذي ذكر المؤلف أم لم يخرج، وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله: أن خروج المني مطلقًا موجِب للغسل لعموم الحديث حتى ولو بدون شهوة، وبأي سبب خرج، ولكن المؤلف لا يرى هذا الرأي، وهو قول جمهور أهل العلم على أنه يشترط لوجوب الغسل بخروجه أن يكون دفقًا بلذة، لكن المؤلف اشترط شرطين: دفقًا وبِلذَّة.
وبعض العلماء قال: بلذَّة، وحذف دفقًا، وقال: إنه لا يمكن إذا خرج بلذة إلا أن يكون دفقًا، فاستغنى عن كلمة (دفقًا) بقوله: (بلذة)، والمؤلف أتى بها لموافقة قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٥ - ٧].
فإذا خرج من غير لذة من إنسان يقظان؛ فإنه لا يُوجب الغسل على ما ذهب إليه المؤلف، وهو الصحيح.
فإن قلت: ما الجواب عن الحديث: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»؟
قلنا: إن هذا يُحمل على المعهود المعروف؛ الذي هو خروجه بلذة، وهو الذي يُوجب تَحلُّل البدن، وفتور البدن، أما الذي يخرج بدون ذلك، فإنه لا يُوجب تحلله ولا فتوره، ولهذا قالوا: إن لهذا الماء ثلاث علامات:
أولًا: أنه يخرج دفقًا.
والثاني: باعتبار رائحته؛ فإن رائحته إذا كان يابسًا كرائحة البيض، وإذا كان غير يابس كرائحة العجين واللقاح.
والشيء الثالث: فتور البدن بعد خروجه.
هذه علاماته، وإذا كانت هذه هي علاماته، فإنه إذا خرج على هذا الوصف صار موجبًا للغسل، وبدونه لا يجب.