والقول الثاني في المسألة: أنه لا غُسل بالانتقال، أنه إذا انتقل المني، وأحس الإنسان بانتقاله، ولكنه لم يخرج فإنه لا غسل عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو القول الصواب الذي يدل عليه حديث أم سليم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، أعليها الغسل؟ قال:«نعم»، لكن بشرط «إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ»(٦)، ولم يقل عليه الصلاة والسلام: أو أَحَسَّت بانتقاله، ولو كان الغسل واجبًا بالانتقال لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة إلى بيانه.
هذا دليل، دليل آخر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ»(٦)، وهنا هل هناك ماء؟ ليس هناك ماء، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ» يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء.
ثالثًا: الأصل بقاء الطهارة، وعدم موجِب الغسل، وهذ الأصل لا يمكن أن يُعدَل عنه إلا بدليل.
فهذه ثلاثة وجوه؛ دليلان وقياس نظر، كلها تدل على أنه إذا انتقل ولم يخرج؛ فإنه لا يجب الغسل.
قال المؤلف:(فإن خرج بعده لم يعده)؛ يعني لو اغتسل لهذا الذي انتقل، ثم بعد ذلك مع الحركة خرج فإنه لا يعيد الغسل؛ وذلك لأنه سبب واحد، فلا يُوجِب غُسلين؛ فالرجل هنا قد اغتسل عن الأول فلا يوجب خروجه غسلًا ثانيًا، هذا من وجه، ومن وجه آخر، أنه إذا خرج بعد ذلك فإنه يخرج بدون لذة، ولا يجب الغسل إلا إذا خرج بلذة.
نعم، لو طرأ على الإنسان شيء جديد، فخرج مني جديد غير الأول الذي انتقل؛ فإنه يجب عليه الغسل بهذا السبب الثاني.
ثم قال رحمه الله:(وتغييب حشفة أصلية)، هذا هو الْمُوجِب الثاني من مُوجِبات الغُسل.
(تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي، قُبلًا كان أو دُبرًا) التغييب معروف؛ تغييب الشيء في الشيء معناه: أن يختفي فيه.