للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

«الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» هذا كلام النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وهو صحيحٌ، الحديث هذا صحيحٌ، لكن ظاهر حديث «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» أنه لا ينجس ولو تغيَّر، ولكن هذا الظاهر ليس مُرادًا بإجماع العلماء؛ فإن العلماء أجمعوا على نجاسة الماء المتغيِّر بالنجاسة، يصير هذا العمومُ مخصوصًا بالإجماع، ثم هناك إشارةٌ من القرآن تدلُّ على ذلك، وكذلك من السُّنة أحاديث وإنْ كان فيها مقالٌ؛ قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} إلى آخره [المائدة: ٣]، وقال: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥]، فقوله: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} معلِّلًا للحُكم دليلٌ على أنه متى وُجِدَت الرِّجْسِيَّةُ ثَبَتَ الحكْم، ومتى انتفت انتفى الحكْم، فإذا كان هذا في المأكول فكذلك في الماء؛ متى وُجِدَت النجاسة؛ يعني لنفرِضْ أن الماء تنجَّس بدمٍ مسفوحٍ، إذا أثَّر فيه الدمُ المسفوحُ صار رِجْسًا نجسًا، وإذا لم يؤثِّر لم يكن كذلك.

أمَّا الأحاديثُ ففيها أحاديثُ لكنها ضعيفة: «إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ» (٨) فيها الاستثناء، والحاصل أن ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله هو الأصحُّ للإجماع، ولإشارة القرآن، وللأحاديث وإن كان فيها ضعفٌ.

أمَّا من حيث النظر فيقال: إنَّ الشَّرع حكيمٌ يُعلِّل الأحكام، ولَّا لا؟

نعم، الأحكام معلَّلة؛ منها ما هو معلومُ العلَّةِ لنا ومنها ما هو مجهول.

وعِلَّةُ النجاسةِ الْخُبْث، فمتى وُجِدَ الْخُبْث في شيءٍ فهو نجسٌ، ومتى لم يوجَدْ فليس بنجسٍ، فالحكْم يدور مع عِلَّته وجودًا وعدمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>