فعلى هذا نقول: إنَّ هذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام رحمه الله دلَّ عليه الأثر ودلَّ عليه النظر؛ يعني الدليلُ الأثريُّ -وإن شئتَ فقلْ: الدليلُ السمعيُّ- والدليلُ العقليُّ، فإنه لا يعارِض ذلك لسببين: السبب الأول: أنَّ كثيرًا من أهل العلم ضعَّفه، وضعَّفه ابن القيم؛ ضعَّفه في تهذيب السنن بنحو ستةَ عَشَرَ علَّةً، وأمَّا إذا قُلنا بتحسينه أو تصحيحه فإننا نقول: تعارَضَ منطوقٌ ومفهومٌ، وإذا تعارَضَ المنطوق والمفهوم قُدِّمَ المنطوقُ، كيف ذلك؟
«إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ»(٩)، هذا أيش؟
طالب: منطوق.
الشيخ: منطوقٌ، «إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ»، ومعلومٌ أن هذا الحديث «لَمْ يَنْجُسْ» يعني ما لم يتغيَّر بالإجماع، منطوقه أنه «إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» يعني إلا بالتغيُّر، وهذا ظاهرٌ، هل يوافق هذا المنطوقُ «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ»(٤)، هذا المنطوقُ يوافق المنطوقَ ذاك ولَّا لا؟
الطلبة: نعم.
الشيخ: يوافقه، إذَنْ توافقا في المنطوق.
بقينا في المفهوم؛ مفهوم قوله:«إِذَا بَلَغَ لَمْ يَنْجُسْ» أنه إذا لم يبلغْ نَجُسَ، هذا المفهوم نقول: يقيِّده المنطوقُ السابقُ «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلى طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ».
***
( ... ) هي عبارة عن الْمَجابِي؛ مَجابِي المياه، وكان طريقُ مكةَ من العراقِ إلى مكةَ فيه مَجَابٍ في أفواه الشِّعاب، والرياض مَجَابٍ للماء إلى الآن موجودة، هذه المجابي يكون فيها مياهٌ كثيرةٌ، فإذا سَقَط فيها بولُ آدميٍّ أو عَذِرته المائعة ولم تغيِّره فهو طَهُورٌ حتى على ما ذهب إليه المؤلف؛ لأنه يشقُّ نزْحُه.