للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (كمَصَانعِ طريقِ مكَّةَ) هذا للتمثيل؛ يعني: وكذلك ما يُشْبهها من الغُدْرانِ، الغُدْرانُ الكثيرةُ مثلها، فإذا وجدنا مياهًا كثيرةًَ يشقُّ نزْحُها فإنها إذا لم تتغيَّر بالنجاسة فهي طَهورٌ مطْلقًا ولا تسألْ.

على أنَّ المشهور من المذهبِ عند المتأخرين خِلافُ كلامِ المؤلف؛ لا يفرقون بين بول الآدميِّ وعَذِرته المائعة وبين سائر النجاسات، وعلى هذا فيكون الحكْم معلَّقًا بالقُلَّتين، ما دونهما ينجس وإنْ لم يتغيَّر، وما بَلَغَهما وزادَ فلا ينجس إلا بالتغيُّر، ولا فرْقَ في ذلك بين بول الآدميِّ وعَذِرَته وبين غيرهما.

فصار عندنا ثلاثةُ أقوال:

القول الصحيح ما هو؟ أنْ لا نجاسةَ إلا بالتغيُّر قليلًا كان أمْ كثيرًا. المذهب عند المتأخرين: إنْ بَلَغَ القُلَّتينِ لم ينجس إلا بالتغيُّر، وما دونهما ينجس وإنْ لم يتغيَّر.

المذهب عند المتقدِّمين: ما بَلَغَ القُلَّتينِ لا ينجس إلا بالتغيُّر، وما دونهما بمجرَّد الملاقاةِ، إلا أن يكون بول آدميٍّ أو عَذِرته المائعة فإن العبرة لا بالقُلَّتينِ ولكنْ بمشقَّة النَّزْحِ؛ فما شقَّ نزْحُهُ لم ينجس إلا بالتغيُّر، وما لم يشقَّ فإنه ينجس بمجرَّد الملاقاة.

أظن إنْ شاء الله الآن انضبطت المسألة.

دليل المذهب على أنه يَنْجُس الماءُ إذا كان دون القُلَّتينِ وإنْ لم يتغيَّر، دليلُهم الحديث: «إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلِ الْخَبَثَ» (٥) وفي لفظ: «لَمْ يَنْجُسْ».

ودليل مَن قال إنه لا يَنْجُس إلا بالتغيُّر قوله عليه الصلاة والسلام لما سُئِل عن بئرِ بُضاعةَ وما أُلقِيَ فيها من النتن والجِيَف: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» (٤) وهذا عامٌّ يشمل الماءَ القليلَ والكثيرَ خرج منه ما تغيَّر بالنجاسة بالإجماع وبأحاديث ضعيفة أنه إذا تغيَّر بنجاسةٍ صار نجسًا.

نأتي إلى حديث القُلَّتينِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>