للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: (هو فرض كفاية) لا بد فيه من شرط؛ وهو الكفاية؛ أي بأن يكون عند الإنسان أو عند المسلمين قدرة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة، فإن إقحام أنفسهم بالقتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة؛ ولهذا لم يُوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة؛ لأنهم عاجزون ضعفاء، فلما هاجروا إلى المدينة، وكونوا الدولة الإسلامية، وصار لهم شوكة أُمروا بالقتال، وعلى هذا فلا بد من هذا الشرط أن يكون عند المسلمين قوة يستطيعون بها الجهاد وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات؛ لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، وقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] إذن لا بد من القدرة.

قال: (ويجب) يعني يجب الجهاد (إذا حضره) يعني يكون فرض عين إذا حضر الإنسان القتال؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: ١٥، ١٦].

وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن التولي يوم الزحف من الموبقات، حيث قال: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» (١٨) وذكر منها التولي يوم الزحف إلا أن الله تعالى استثنى حالين:

الأولى: أن يكون متحرفًا لقتال؛ بمعنى أن يذهب لأجل أن يأتي بقوة أكثر.

والثاني: أن يكون منحازًا إلى فئة؛ بحيث يُذكر له أن فئة من المسلمين من الجانب الآخر تكاد تنهزم، فيذهب من أجل أن يتحيز إليها تقويةً لها، وهذا الأخير يشترط فيه ألا يخاف على الفئة التي هو فيها، فإن خاف على الفئة التي هو فيها فإنه لا يجوز أن يذهب إلى الفئة الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>