وإن لم يقسِمْها وجعلها وقفًا للمسلمين، وأعطاها الناس وضرب عليها خراجًا مستمرًَّا، فله في ذلك سَلَف، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن عمر بن الخطاب قال: إذا قسمتُ الأرض بين المقاتلين الآن لم ينتفع بها مَنْ بعدهم، وهي أرض ليست شيئًا منقولًا تتلف بممرِّ الزمن، بل هذه ستبقى أبد الآبدين، فكَوْني أقسمها بين الغانمين، وتبقى ملكًا لهم يتوارثونها فيما بينهم، ويتبايعونها فيما بينهم، هذا يَحْرِم مَنْ؟ يَحْرِم بقية الأجيال -أجيال المسلمين- فأنا أُبْقِيهَا وَقْفًا، وأضرب عليها خراجًا.
الخراج يعني مثلًا يقول: كل -مثلًا- كذا وكذا من الأمتار -مثلًا- ألف متر عليه خراج ألف ريال -مثلًا-، هذا الخراج يضع عليه ألف ريال، يؤخذ مِمَّن؟ مِمَّن هو بيده، فإن كانت بيد من عَمَرَها بيتًا أُخِذ من صاحب البيت، إذا كانت بيد مَن زرعها وغرسها أُخِذت من الزارع والغارس، تُشْبِه ما يسمى عندنا هنا: بالصُّبْرَة، وما يسمى بالحجاز: بالحِكْرَة أو الْْحُكُوْرَة، يعني تبقى الأرض لا تُمْلَك، للمسلمين، لكن مَن هي بيده فهو أحق بها من غيره، وعليه مقابل كونه ينتفع بها دراهمُ يُقَدِّرها الإمام، ولهذا قال:(بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ).
وهذا التخيير هل هو تخيير تشهِّي؟ بمعنى أن الإمام له أن يفعل ذلك، سواء كان لمصلحة أو لغير مصلحة؟ أو هو تخيير مصلحة؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: الثاني، لماذا؟ للقاعدة التي سبقت؛ أنَّ مَن خُيِّر بين شيئين وهو يتصرف لغيره وَجَبَ عليه فِعْلُ الأصلح، وإِنْ كان لنفسه فله أن يَعْدِل إلى الأسهل، سواءٌ أَصْلَح أو غير أَصْلَح.
ولذلك نقول: مَنْ عليه كفارة يمين فهل يجب عليه أنْ يعْدِل إلى الأصلَح وهو عِتق الرقبة، ومِن بعده الكسوة، ثم الإطعام؟ أو هو مُخَيَّر بأيها شاء؟
طلبة: الثاني.
الشيخ: نعم، الثاني، حتى لو اختار الأقل -وهو الإطعام في الغالب- فإن له ذلك.