وقوله:«وَكَانَا جَمِيعًا» هذا تأكيد لقوله: «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»؛ لأن معنى عدم التفرق أن يكونا جميعًا. وقوله:«أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ» معناه: أو يجعل أحدهما الخيار لصاحبه فقط، فإن جعله لصاحبه فقط صار الخيار له وحده دون الثاني «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» فأفاد النبي عليه الصلاة والسلام أنه يلزم بواحد من أمرين؛ إما بالإسقاط وإما بالتفرق.
والحكمة من خيار الشرط -كما قلت لكم قبل قليل- هي أن الإنسان قد يتعجل في بيع الشيء أو شرائه، ويقع ذلك منه من غير تروٍّ، فيحتاج إلى أن يُعطَى هذه الفسحة، وإنما أُعطِيَ هذه الفسحة؛ لأنه كما قلت أيضًا: إذا وقع الشيء في ملك الإنسان فإن الرغبة التي كانت عنده قبل أن يتملكه تقل، فجعل الشارع له الخيار، وهذه من حِكمة الشارع، وقد ذهب بعض أهل العلم -رحمهم الله- إلى أنه لا خيار في المجلس، وأن معنى الحديث:«مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا»(٩) المراد بذلك الإيجاب والقبول، وقالوا: إن المراد أن البائع إذا قال: بعت عليك هذا الشيء، فهو قبل أن يقول المشتري: قبلتُ بالخيار، إن شاء أبقى الإيجاب، وإن شاء قال: هونت، وكذلك المشتري إن شاء قال: قبلت، وإن شاء رفض، لكن هذا القول من أضعف الأقوال؛ لأنه قبل القبول هل يكون تبايع؟ لا تبايع، الرسول يقول عليه الصلاة والسلام:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ». وهنا لا تبايع، وهذا وإن كان هو المعروف من مذهب مالك؛ أعني القول بأن المراد بالتفرق التفرق بالأقوال، وأن الخيار هو هذا الزمن القصير، متى؟ ما بين الإيجاب والقبول، فنقول: إن هذا لا بيع، لم يحصل بيع حتى نقول: إنه داخل في الحديث؛ فالصواب أنهما بالخيار ما داما لم يتفرَّقا.