للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: لا، لستَ مخيَّرًا؛ إنْ كان الماء يكفي لأكثرِ الأعضاء فاستعملْه ( ... ) دون تيمُّم؛ مثل أن يكفي لغسْل الوجهِ واليدينِ ومسْحِ الرأس والأُذُنينِ، فهُنا تستعمله ولا تتيمَّم، وإنْ كان الماءُ لا يكفي إلا أقلَّ من النصف فاتركه واستعمل التيمُّم؛ مثل أنْ يكون الماء لا يكفي إلا غسْلَ الوجهِ فيقول هنا: لا تستعملْه، استعمل الترابَ.

حُجَّته في ذلك قال: لأن الجمع بين الماءِ والتيمُّم جمعٌ بين البَدَل والمبْدَل منه، وهذا لا يصحُّ، ولأن القاعدةَ العامَّة في الشريعة تغليبُ جانبِ الأكثر، فإذا كان الأكثرُ هو الأعضاء المغسولة فاغسلْها ولا تتيمَّمْ، وإذا كان الأكثرُ العكسَ فتيمَّمْ ولا تغْسِل، هذان قولانِ.

القول الثالث يقول: استعمل الماءَ مطْلقًا ولا تتيمَّمْ؛ لأن التيمُّم إنما كان بَدَلًا عن طهارةٍ كاملةٍ لا عن طهارةٍ جُزئيَّةٍ.

ولكن القول الأوَّل أصحُّ، وربما يُستدَلُّ له بما يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صاحب الشَّجَّةِ الذي قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا» (٤)، فجمَعَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام في هذا بين طهارةِ المسْحِ وطهارةِ الغَسْل، فما ذهب إليه المؤلِّف هو الحقُّ.

وقولهم: إنه لا يُجمَع بين البَدَل والمبْدَل منه.

نقول لهم: هنا التيمُّم ليس عن الأعضاء المغسولة، ولكنه عن الأعضاء التي لم تُغسَل، أمَّا الأعضاء المغسولة فقد طهُرَتْ، فهو شبيهٌ بالمسح على الْخُفَّينِ، شبيهٌ به من بعض الوجوهِ؛ لأنك غسلْتَ الأعضاءَ التي تُغسَل ومَسَحْتَ الْخُفَّ بدلًا عن غَسْل الرِّجْل التي تحته، فقد جُمِع هنا بين بَدَلٍ ومُبْدَلٍ منه.

***

قال المؤلف: (ومَنْ وَجَدَ ماءً يكْفي بعضَ طُهْرِهِ تيمَّمَ بعد استعمالِهِ، ومَنْ جُرِحَ تيمَّمَ له وغَسَل الباقي).

<<  <  ج: ص:  >  >>