للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: ويؤيد ذلك أن الحديث: قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وهم يُسْلِفُونَ في الثمارِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، فقال: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»؛ لأنه كأنه أراد أنه يقول: هذا الأجل الذي تجعلونه لا بد أن يكون معلومًا، فليس نصًّا في اشتراط الأجل.

وبناء على هذا القول قالوا: إنه يجوز السلم حالًّا، وهذا قول لبعض أهل العلم.

وأما اشتراط أن يكون له وقْعٌ في الثمن فليس في الحديث ما يدل عليه، الحديث يقول: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، وليس فيه قيد: إلى أجل معلوم له وقْعٌ في الثمن؛ ولذلك لم يشترطه كثير من الفقهاء.

قالوا: يُشترَط الأجل وإن لم يكن له وقْعٌ في الثمن، وقد عرفتم أن اشتراط أن يكون له وقْعٌ في الثمن مَبْنِيٌّ على دليل ولَّا على تعليل؟

طلبة: على تعليل.

الشيخ: على تعليل، والتعليل يُنظر فيه: هل يكون صحيحًا فيُقبلَ أو يكون غير صحيح فلا يُقبل؟

فمن نظر إلى ظاهر الحديث قال: اشتراط أن يكون له وقْعٌ في الثمن لا دليل عليه، ومن نظر إلى العلة التي من أجلها شُرِعَ السلم قال: اشتراط أن يكون له وقْعٌ في الثمن لا بد منه؛ لأنه إذا كان من الصباح إلى المساء -والأسعار لا تختلف في هذه المدة القصيرة- فلا فائدة من السلم، فهو في الحقيقة كالذي ليس له أجل، وعلى كل حال فمثل هذه المسائل إذا لم يتبين فيها الدليل من الجانبين فهل نراعي الأحوط أم نأخذ بالرخصة؟

قد يقال: إن مراعاة الأحوط أحسن، لا سيما إذا كان هذا الأحوط هو الذي يكون فيه الحكم فيما لو رُفِعت القضية إلى المحكمة؛ لأنك إذا صححت هذا الشيء والحكم المشهور بين الناس خلافُ ما صححت يؤدي ذلك إلى مفاسد في المستقبل، هذه المفاسد قد تعود عليك أنت وقد تعود على غيرك.

إذا كنت لست ذا ثقة بين الناس فإن هذا يعود عليك أنت، يقال: هذا رجلٌ ما يَعرِف، ولهذا أبطلت المحكمة ما أفتى به.

<<  <  ج: ص:  >  >>