للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الذين قالوا بأنه إذا كان في الصلاة لا يبطل التيمم قالوا: لأن هذا الرجل شرع في المقصود والغاية وهي الصلاة؛ لأنه تيمم للصلاة يتوضأ ليش؟ للصلاة، فقد شرع الآن في المقصود والغاية، لما شرع في المقصود والغاية فقد شرع فيها على وجه مأذون فيه شرعًا ولَّا لا؟ وهي فريضة، والفريضة لا يجوز الخروج منها إلا بدليل واضح أو ضرورة، وهنا ليس هناك دليل واضح؛ لأن الأحاديث السابقة قد يراد بها إذا وجد الماء قبل أن يشرع في الصلاة، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال.

ثانيًا: أن الله عز وجل يقول: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] والصلاة التي هو الآن فيها عمل صالح ابتدأه بإذن شرعي، فكان شرعيًّا لا يجوز إبطاله إلا بدليل، وهنا ليس هناك دليل واضح يبيح له أن يبطله، وهذه المسألة مشكلة جدًّا؛ لأن العمل بالاحتياط فيها متعذر أو لا؟

إن قلت: الأحوط القول بالبطلان جاءك بأن الأحوط القول بالبقاء على الفريضة، أو أن الأحوط ألَّا تخرج من الفريضة، فحينئذٍ لا بد أن يتأمل الإنسان النصوص والأدلة حتى يكون على بينة من أمره.

ونظير ذلك أيضًا فيما يتعذر فيه سلوك الاحتياط: أن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن وقت العصر لا يدخل إلا إذا صار ظل كل شيء مثليه، وجمهور العلماء على أن وقت العصر يخرج إذا صار ظل كل شيء مثليه؛ يعني: الوقت الاختياري، فحينئذٍ ما هو الأحوط؟

مشكل، لا بد من ترجيح، إن قلت: الأحوط أن تؤخر حتى يصل ظل كل شيء مثليه كنت عند الجمهور آثمًا، وإن قلت: الأحوط أن تقدم كنت عند أبي حنيفة ومن يرى رأيه آثمًا؛ يعني: ما أديت الفريضة، وحينئذٍ يبقى الأمر مشكلًا، لا بد أن ننظر بإمعانٍ وتدقيق أي القولين أسعد بالدليل؟

والذي يظهر لي -والله أعلم- أن المشهور من المذهب أقرب للصواب؛ لأن هذا وجد الماء وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ» (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>