للمرة الثانية أقول: الحجر لغة: المنع والتضييق، واصطلاحًا منع الإنسان من التصرف في ماله وذمته أو في ماله فقط، ثم هو قسمان: حجر لحظ الغير، وحجر لحظ النفس، فإن كان لحظ الغير فهو أيش؟ حجرٌ في المال فقط، وإن كان لحظ النفس فهو حجر في المال والذمة؛ مثال ذلك: الصغير محجور عليه، ما يتصرف في ماله، وفي ذمته يتصرف؟ لا؛ لأنه محجور عليه لحظ نفسه، (في ذمته) يعني: ما يذهب الصغير مثلًا ويشتري شيئًا في ذمته، ولا يبيع شيئًا من ماله معينًا، فهو محجورٌ عليه في ماله وفي ذمته.
إذا كان الإنسان مدينًا ودينه أكثر من ماله حُجِرَ عليه، لمصلحة مَن؟ لمصلحة الغرماء، هذا يُمنع من التصرف في ماله، ولا يُمنع من التصرف في ذمته؛ يعني: لو استدان من أحدٍ شيئًا فله ذلك؛ لأنه محجور عليه لحظ غيره.
يقول المؤلف رحمه الله:(ومن لم يقدر على وفاء شيء من دَينه لم يُطالَب به وحَرُم حبسه، ومن له قدرة على وفاء دينه لم يحجر عليه وأُمر بوفائه، فإن أبى حُبس في طلب رَبِّه، ومَنْ ماله لا يفي بما عليه وجب الحجر عليه).
ذكر المؤلف الآن ثلاث حالات، المدين يعني الذي يُطلب له ثلاث حالات:
إما ألا يكون عنده شيء؛ فهذا لا يجوز مطالبته ولا حبسه؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة: ٢٨٠]، ومن طالبه مُنع من مطالبته فإن أصرَّ إلا أن يطالبه ويضيِّق عليه حُبس، من اللي يُحبس؟ الطالب؛ لأنه عاصٍ لله عز وجل، وبهذا نعرف ظلم وجور أولئك الذين يطالبون الفقراء بوفاء الدين حتى يلجئوهم إلى أن يستدينوا مرة ثانية فيزداد الدين عليهم، هؤلاء أهل للشح والجشع والطمع الذين ليس عندهم رحمة للمخلوق ولا خوفٌ من الخالق يجب أن يؤدَّبوا على فعلهم، يجب أن يؤدبوا ويضربوا ويحبسوا؛ حتى لا يطالبوا هؤلاء الفقراء بأمر لا يستطيعونه.