ويرى آخرون أن الانفراد أفضل؛ لأن الإنسان إذا انفرد بملكه والتصرف فيه كان حرًّا؛ إن شاء عمل وإن شاء ترك، وإن شاء عمل في هذا النوع من التجارة وإن شاء عمل في غيره، وإن شاء تبرع من المال وإن شاء لم يتبرع، بخلاف الشركة؛ فإنها مقيدة بما يتفق عليه الشريكان، ولا يمكن لأي واحد أن يتبرع بشيء منها، لكن الانفراد الإنسان فيه حر؛ له أن يتبرع بما شاء من ماله، وله أن يبيع برخص، وله أن يشتري بغلاء، أما الشركة فهي مقيدة.
والحقيقة أن كل واحد من الانفراد والاشتراك له مزية على الآخر، لكن المزية التي قد لا يعدلها شيء هي السلامة في مسألة الانفراد، فالإنسان إذا كان منفردًا في تصرفه في ماله أسلم؛ لأن الشريكين يصعب على الإنسان مراعاة واجب الشركة، ولأن الشريكين أيضًا لو جاءك شخص من أقاربك أو من أصحابك يريد أن يشتري منك سلعة مشتركة يجب عليك أن تبيعها بماذا؟ بثمن المثل، لكن لو كنت منفردًا لأمكنك أن تبيعها بأقل.
وكذلك لو اشتريت شيئًا بأكثر من ثمنه محاباةً للبائع؛ فإنك إذا كنت منفردًا تكون حرًّا، إذا كنت مشاركًا لا تكون حرًّا في ذلك، فهي من ناحية السلامة أسلم؛ الانفراد أسلم، أما من ناحية التعاون والتفاعل وما ينتج من الاشتراك فالاشتراك أفضل وأكمل، وعلى هذا فيكون كل واحد منهما أكمل من الآخر من وجه.
ثم قال:(وهي أنواع) ظاهر كلام المؤلف: (وهي) أنه يعود إلى الشركة بقسميها؛ أي: شركة الأملاك وشركة العقود، ولكن هذا غير مراد، وهو إنما يريد شركة العقود؛ يعني (وهي) أي: الاجتماع في التصرف التي هي شركة العقود، (أنواع) والأنواع في الشركة هذه خمسة:
[شركة العنان]
الأول: شركة عِنان؛ وهي اشتراك في المال والعمل، وسميت شركة عنان لأن الشريكين كالمتسابقين، كل واحد منهما قد أمسك بعنان فرسه، وهذه التسمية وإن كانت بعيدة الأخذ لكن المهم أنها عُرفت عند الناس بأنها شركة عنان.