ثم قال المؤلف:(باب المساقاة)، المساقاة مفاعَلة من السقي، والمفاعلة غالبًا تأتي بين اثنين، كالمشارَكة والمقاتَلة والمجاهَدة والمصارَعة، وما أشبه ذلك.
المساقاة لا تكون إلا بين اثنين؛ مُسَاقٍ ومساقَى، فما هي المساقاة؟ المساقاة تكون على الأشجار، والمزارعة تكون على الأراضي؛ الأشجار أن يدفع الإنسان شجر بستانه، سواء كان من النخل، أو من العنب، أو من الرمان، أو من البرتقال، أو غيره، يدفع هذا البستان بشجره إلى شخص على أن يقوم عليه بالسقي والمصالح، وله جزء من الثمر.
فعندنا الآن شجر ومالِك وعامل، يقوم المالك فيدفع الشجر للعامل بجزء من ثمرته، يقوم عليه ويصلحه، وهذه جائزة.
وإذا قال قائل: أين الدليل على جوازها؟ فنقول: لنا على ذلك دليلان؛ الدليل العام، وهو أن الأصل في المعاملات الحِل إلا ما قام الدليل على تحريمه.
والدليل الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر عامَل أهلها عليها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، قال:«تَبْقَوْنَ فِيهَا عَلَى أَنَّ لَكُمْ نِصْفَ الثَّمَرَةِ، وَلَنَا نِصْفُ الثَّمَرَةِ»(١).
وبقي هذا الحكم حتى توفي النبي عليه الصلاة والسلام، وحتى خلافة عمر بن الخطاب، وفي أثناء خلافته حصل من اليهود اعتداء وظلم، فأجلاهم رضي الله عنه.
الحاصل أن المساقاة أن يدفع الإنسان بستانه الذي فيه الشجر لمن يقوم على هذه الشجر بجزء منين؟ من ثمرها، وهي جائزة بالنص.
وجائزة أيضًا بالنظر الصحيح، ما هو النظر الصحيح؟ هو أن الإنسان قد يعجز عن القيام بما تحتاجه هذه الشجرة عجزًا بدنيًّا أو عجزًا ماليًّا، فيكون حينئذ بين أمرين؛ إما أن يهمل هذا الشجر فيموت ويهلك، وهذا فساد وإضاعة مال، وإما أن يعطيه مَن يعمل به بأجرة، وهذا قد يكون شاقًّا عليه، بأجرة بأن يقول: خذ هذا البستان فقُم بسقيه ومصالحه، لك كل شهر كذا وكذا. هذا جائز لكنه قد يشق على صاحب البستان، خصوصًا إذا كان عجزه من أجل المال.