القول الثاني في أصل المسألة: أن المساقاة عقد لازم كالإجارة، وبناء على هذا القول يتعيَّن تعيين المدة، فيُقال: ساقيتك على سنة أو سنتين أو ثلاث سنين، أو ما أشبه ذلك؛ لأن العقد اللازم لا بد أن يُحَدَّد حتى لا يكون لازمًا مدى الدهر، فعلى هذا القول -القول بأنها عقد لازم- يتعين تعيين المدة، ولا يمكن لأحد منهما فسخها ما دامت المدة باقية، فإن تعذَّر العمل عليه لمرض أو غيره أُقِيمَ مَن يقوم بالعمل على نفقة مَن؟
طلبة: العامل.
الشيخ: العامل، وله السهم المتفَق عليه، وهذا القول الثاني هو الصحيح؛ أنها عقد لازم، وهو الذي عليه عمل الناس اليوم، فإنهم يعتبرون المساقاة عقدًا لازمًا.
وربما يُسْتَدَلّ لذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لأهل خيبر عاملهم بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وقال:«نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا». (٢)
يعني: نُقِرُّكُم ما شئنا من الإقرار، وأنتم ما دمتم باقين فعلى المعاملة، ولأننا لو قلنا بأنها عقد جائز، لزم من ذلك الضرر، وكثر النزاع والخلاف بين الناس، وكل ما يتضمَّن الضرر أو يُفْضِي إلى النزاع والخصومة بين الناس فإن الشارع يمنع منه، ولأن العامل لو قلنا بأن العقد جائز ربما يتحيل، فيأتي إلى صاحب الملك ويأخذ منه الملك مساقاةً في موسم المساقاة، فإذا زال الموسم جاء إلى المالك وفسخ، وكذلك بالعكس؛ ربما يكون المالك أعطى العامل هذا الملك ليعمل فيه، فإذا زادت الأسهم للمُلَّاك فسخها، يعني تكون الْمُلّاك عند موسم المساقاة تكون رخيصة بالنسبة لأهل الملك، فإذا زادت أسهم الملك فيما بعد قال للعامل: قد فسخت، وأجرة مثلك أعطيك إياها، واضح؟