وقال بعض العلماء: إن كان البياض من الأرض أكثر من النخل جاز؛ لأنه يجوز تأجير الأرض لمن يزرعها، فلما كان الأكثر البياض -الذي يكون زرعًا- صار الحكم للأكثر، وهذا اختيار ابن عقيل من أصحابنا رحمهم الله.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: يجوز مطلقًا سواء كان الشجر أكثر أم بياض الأرض أكثر. واستدل لذلك بأن الأصل في العقود الحل، وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمن حديقة أسيد بن الحضير، ضمنها شخصًا يقوم عليها بدراهم معلومة أوفى بها غرماء أسيد (٤). واضح؟
أسيد بن الحضير كان مدينًا، فجاء أهل الديون يطلبونها منه وليس عنده شيء، قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عند أسيد بستان، وضمنه شخص، قال: خذ هذا البستان مثلًا عشر سنوات بعشرة آلاف، أعطني عشرة آلاف الآن لنوفي بها ديون أسيد وأنت استغل هذا البستان لمدة عشر سنوات، والفاعل هذا هو عمر، وعمر رضي الله عنه له سُنة متبعة، ثم لم يظهر معارض يعارض عمر في ذلك.
فاستدل شيخ الإسلام على هذا بدليلين: الدليل الأول: عام، والدليل الثاني: خاص.
وقولهم: إن النخل قد يثمر وقد لا يثمر، نقول: وكذلك الزرع، ألستم تجيزون أن يؤجر الأرض من يزرعها بدراهم معلومة قالوا: بلى، طيب ربما يزرع ويتعب ويحرث ثم لا تنبت، وربما تنبت ثم يفسد الزرع، وربما تنبت ويحصل على الزرع آفة من برد أو ماء كثير يغرقه، فالخطر الموجود في الثمر -ثمر النخل- كالخطر الموجود في زرع الأرض ولا فرق. فالصواب إذن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد بدأ الناس أخيرًا يفعلون ذلك وإلا فإنهم كانوا بالأول لا يفعلون؛ بناء على المشهور من المذهب، فإن المذهب يفرقون بين تأجير الأرض للزراعة وبين تأجير النخل للاستثمار ( ... ).
***
وأصحابه أجمعين.
سبق لنا ثلاثة أمور فيما يتعلق بالزروع والأشجار، وهي: المغارسة، والمساقاة، والمزارعة.