قوله: كنا نعزل. معنى العزل أن يعزل الرجل عن زوجته إذا جامعها حتى يُنزِل خارج الفرج، يفعل ذلك لئلا تحمل؛ لأن الحمل إنما يكون من الماء، فإذا أنزل خارج الفرج لم يكن هناك ماء، وحينئذٍ لا تحمل، وقول جابر: والقرآنُ يَنزل. الجملة هذه حالية الغرض منها الاستدلال على جواز العزل.
ووجه ذلك: أنه لو كان العزل مُحرَّمًا لكان القرآن ينهى عنه، وهو كذلك؛ أي أن العزل جائز، ولكن هل هو مستوٍ الطرفين؟
الجواب: لا، ليس مستويَ الطرفين، بل تركه أوْلى لعدة أمور:
الأمر الأول: أنه من إكمال الشهوة، فإن كون الإنسان ينزع، فيُنزل خارج الفرج يكون فيه نقص في شهوته، وربما يحصل له عند نزعه هبوط في الشهوة فيتحجَّر الماء في أوعية القصبة ويضره ذلك، وهو ما يسمى عند الناس بـ (الرِّدَّة).
ثانيًا: أن فيه تنغيصًا على المرأة، فإن المرأة بلا شك لا تقضي شهوتها إذا أنزل الإنسان خارج الفرج، ويكون في هذا شيء من الاعتداء على حق المرأة، ولهذا يحرم على الإنسان أن يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها، كما سيأتي.
ثالثًا: أن فيه محاولة لتقليل النسل -وانتبه إلى كلمة محاولة- لأنه ربما يعزل، ولكن يخلق الله الولد، لكن في محاولة لتقليل النسل الذي هو خِلاف مُراد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(٤).
رابعًا: أنه يُشبه الوَأْد من بعض الوجوه، والوَأْد -كما نعلم جميعًا- من كبائر الذنوب: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨، ٩].
وهذا وَأْد؛ لأنه حيلولة بين وجود الولد وعدمه؛ بمعنى أن الإنسان يحول بفعله هذا دون وجود الولد، كذلك الموؤودة فيها إهلاك للولد، لكن هذا قبل وجوده، وهذا بعد الوجود، فمن أجل هذا نقول: إن العَزْل جائز، لكن ليس مستوي الطرفين. ( ... )