وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إن المسابقة فيه بعوض جائزة؛ لأن الدين يقوم بالجهاد بالسلاح وبالجهاد بالعلم، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام جعل وسائل الجهاد بالسلاح جعل العوض فيها جائزًا، فكذلك العلم؛ لأن العلم وسيلة الجهاد في بيان الحق وهداية الخلق، ولأن أبا بكر رضي الله عنه راهن قريشًا حين نزل قوله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: ١ - ٤]، فإنه راهنهم على أن الروم ستغلب، وقريش يقولون: إن الروم لن تغلب، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك (٤).
وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله قوي جدًّا وله وجه، لكن يبقى النظر؛ إذا كان القصد من المسابقة المغالبة، لا الوصول إلى الحق بعد البحث والمناقشة، فهل نقول: إن عموم كلام الشيخ رحمه الله يشمل هذه الصورة، أو نقول: إن هذه الصورة لا تحل؛ لأن المقصود بها المال دون العلم؟
الظاهر لي الثاني، وإن كان الأول فيه احتمال، لكن الظاهر الثاني؛ لأن هذين المتسابقين بالعوض لم يقصدا في الواقع العلم الشرعي، وإنما قصدا الوصول إلى الغلبة وأخذ المال الذي جُعِلَ.
مثال ذلك: تراهنا في مسألة أمرها بسيط وسهل، والوصول إليها يحصل بأدنى مطالعة، وأدنى مناقشة وجعلا العوض فيها عشرات الآلاف، هذه نعلم أن المقصود المال.
مثلًا: قال أحدهما: النية واجبة في الوضوء، قال الثاني: إنها غير واجبة، هذه المسألة سهلة وبسيطة، العوض إن غلبتني فعلي عشرة آلاف ريال، وإن غلبتك فعليك عشرة آلاف ريال.
طالب: قصد المال.
الشيخ: هذا واضح أنه قصد المال، لكن إذا كان المقصود من المغالبة الوصول إلى الحق، وجعل المال كالوسيلة ينشط، فهذا هو الذي أراده شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو جائز.