الدليل على ذلك قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: ٥٨]، وهذه أمانة وأنت مأمورٌ بأدائها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ»(١٠). وهذه عينٌ مأخوذة فعلى المرء أن يؤدِّيَها. فاستدل هؤلاء بدليلين؛ أحدهما من القرآن والثاني من السنة.
وقال بعض العلماء: إن العارية لا تضمن إلا بواحد من أمور ثلاثة؛ أن يتعدى، أو يُفَرِّط، أو يشترط الضمان؛ يشترط المستعير على نفسه بالضمان فيقول: أنا أضمنه إذا تلفت، ففي هذه الأحوال الثلاث يضمن.
أما في مسألة التعدي والتفريط؛ فلأنه بتعديه وتفريطه زال ائتمانه وصار غير أمين، وأما فيما إذا شرط أن يَضْمَنها فلقولِ النبي صلى الله عليه وسلم:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»(٩)، وهذا قد التزم بذلك، والحديث عام:«الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ».
وفيه حديث خاص في الموضوع؛ وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار أدرُعًا من صَفْوان بن أُمَيَّة، فقال له صفوان: أغصبًا يا محمد؟ ! قال:«بَلْ عَارِيةٌ مَضْمُونَةٌ»(٥).
كلمة:«مَضْمُونَةٌ» من قال: إن العارية مضمونة بكل حال قال: إن «مَضْمُونَة» صفةٌ كاشفة ليست مقيدة، والصفة الكاشفة لا يخرج مفهومها عن الحكم، يصير معنى عارية مضمونة يعني العارية كأنه قال: عارية، وكل عارية مضمونة.
والذين قالوا: لا تُضمَن إلا بشرط، قالوا: لأن «مَضْمُونَة» صفةٌ مقيدة وليست كاشفة، وإذا تعارض القولان هل الصفة مقيدة أو كاشفة فالأصل أنها مقيدة؛ لأن الكاشفة لو حذفت لاستقام الكلام بدونها، والمقيدة لا بد من وجودها في الكلام، لا يتم الكلام إلا بها، والأصل أن المذكور واجب الذكر، هذا هو الأصل، وعلى هذا فتكون الصفة هنا صفة مقيدة، وهو الصحيح، فتكون دالة على أن العاريَّة تُضمَن إن شُرط ضمانها وإلا فلا.