للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا قال قائل: بأي شيء تردون استدلالهم بالدليلين السابقين؟

الجواب أن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] تردوا الأمانات، متى تُرد الأمانات؟ إذا كانت باقية، أما إذا تلفت فالآية ليس فيها دليل على وجوب الرد؛ لأن الأمانات زالت الآن، تلفت، وهذا الرجل تلفت تحت يده بلا تفريط ولا تعدٍّ، فلا يكون ضامنًا.

وكذلك نقول: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» (١٠)، هذا يدل على أنه موجود، وأنه يجب أن يُؤَدَّى إلى صاحبه حيث وجب أداؤه إليه.

ثم نقول: أنتم بأنفسكم لم تأخذوا بمقتضى الآية، فالمستأجر عندكم الذي بيده العين المستأجرة أمين ولَّا غير أمين؟ أمين، والعين بيده أمانة، ومع ذلك تقولون: لو تلفت العين المستأجرة تحت يد المستأجر بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس بضامن، فكيف تستدلون بالآية على شيء وتخرجون ما تشمله الآية، والحكم واحد فيهما؟ !

إذن فلا دلالة في الآية والحديث على ما ذهبوا إليه، وتبقى العارية على القواعد العامة، وهي أنها وقعت بيد المستعير برضا صاحبها؛ فيد المستعير يدٌ أمينة ولا خائنة؟ أمينة؛ لأن المال حصل فيها برضا صاحبها، فهي يدٌ أمينة، والأمين لا يضمن إلا بتعدٍّ أو تفريط، هذه القاعدة العامة.

أما إذا شرط ضمانها؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ولقوله: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: ٣٤] ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» (٩)، ولقوله لصفوان بن أمية: «بَلْ عَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ» (٥)، وهذا القول الذي ذكرناه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو الصحيح؛ لدلالة النصوص عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>