للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ: جراحاتهم في القتال، وتعلمون أن الجرح في القتال قد يسيل منه الدم الكثير الذي ليس محلًّا للعفو، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمرهم بغسله، أو أنهم كانوا يتحرّزون منه تحرُّزًا شديدًا بحيث يحاولون التخلي عنه إذا وجدوا غيره، لا يقول قائل: الصحابة رضي الله عنهم كان أكثرهم فقيرًا، وقد لا يكون لواحد منهم من الثياب إلا ما كان عليه، لا سيما أنهم في حروبهم يَخرجون عن بلادهم، فيكون بقاءُ الثياب عليهم لأيش؟

طلبة: للضرورة.

الشيخ: للضرورة؛ لأننا نقول: لو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلًا للوصول إلى الماء، أو إلى البلد أو ما أشبه ذلك، أما القياس فإننا نقول: أجزاء الآدمي طاهرة أو نجسة؟

طلبة: طاهرة.

الشيخ: يعني لو قطعت يد، فاليد طاهرة، مع أنها تحمل دمًا أو لا تحمل؟

طلبة: تحمل.

الشيخ: تحمل دمًا، وربما تحمل دمًا كثيرًا، فإذا كان الجزء والعضو من الآدمي الذي يُعتبر رُكنا أساسيًّا في بنية البدن، إذا كان طاهرًا فما بالك بالدم الذي يخلفه غيره لو فقده الإنسان، هذا الدليل، فإذا كان هذا العضو طاهرًا مع أنه منفصل من آدمي، وركن أساسيٌ من بنيته، فالذي ينفصل منه وليس بركن أساسي من باب أولى، هذا قياس.

قياس آخر أن نقول: إن الآدمي ميتته طاهرة، والسمك ميتته طاهرة، وقُلتم: إن دم السمك طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، فلنَقل: إن دم الآدمي طاهر؛ لأن ميتته طاهرة، عرفتم؟ فإن قال قائل: هذا القياس يُقَابَل بقياس آخر، يَدل على النجاسة، وهي أن الخارج من الإنسان من بول وغائط نجس، فليكن الدمُ نجسًا، فالجواب أن يقال: هناك فرق بين البول والغائط؛ لأن البول والغائط نجس خبيث، ذو رائحة مُنتنة، تنفر منه الطباع، وأنتم لا تقولون بقياس الدم عليه؛ لأنكم تعفون عن اليسير من الدم، ولا تعفون عن اليسير من البول والغائط، فلا يمكن إلحاق هذا بهذا، فإن قلت: أفلا يقاس على دم الحيض، والحيض دمه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>