( ... ) والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. سبق لنا عدة مسائل فيها ضمان، ألحقوها العلماء بباب الغصب بجامع الضمان في كل منها، ومنها ما ذكره المؤلف هنا، قال:(وما أتلفت البهيمة من الزرع ليلًا ضمنه صاحبها وعكسه النهار).
(البهيمة) تشمل بهيمة الأنعام وغيرها، تشمل بهيمة الأنعام التي هي الإبل والبقر والغنم وغيرها، كالبغال والحمير والظباء وغيرها، البهيمة ما أتلفته من الزرع في الليل، فعلى صاحبها الضمان، مثال ذلك: بهيمة لزيد عَدَتْ على زرع عمرو في الليل، وأكلته، فعلى صاحبها الضمان، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (٢)؛ وذلك لأن أهل المواشي في الليل جرت العادة أنهم يحفظونها، وفي النهار يرسلونها للرعي، فما أتلفته في الليل، فالضمان على أصحابها؛ لأن ذلك خِلاف العادة، فإن أهل المزارع في الليل ينامون، لا يحبسونها، وأهل المواشي في الليل أيش؟
يحفظونها، فإذا اعتدت البهيمة في الليل، وأكلت من الزرع، فإن العدوان في ذلك ظاهِر فيضمن صاحبها، أما في النهار، فالأمر بالعكس، ما أتلفت من الزرع في النهار، فلا ضمان على صاحبها، لماذا؟ لأن العادة جرَت أن أهل المزارع يحرثونها في النهار، وأن أهل البهائم يرسلونها في النهار لترعى، ولم تجرِ العادة بأنهم يحفظونها أو يقيدونها.
وقول المؤلف:(ما أتلفت البهيمة من الزرع) يُفهم منه أن من أتلفت من غير الزرع فلا ضمان، ولو كان ذلك في الليل، مثل: أن تأكل تمرًا، أو خبزًا، أو ما أشبه ذلك، فإنه لا ضمان على صاحبها، لماذا؟ لأن العادة جرتْ أن غير الزرع يُحفظ وراء الأبواب، ما يُترك للبهائم، فإذا أكلت منه البهيمة فإن ذلك يدل على أن الأبواب كانت مفتوحة، فيكون المفرِّط مَنْ؟ صاحب البهيمة أو صاحب المال الْمُتْلَف؟