ولكن قد يقول قائل: إن إقامة البينة على مثل هذه القضية أمْر متعذر؛ لأن الذي يُريد أن يقتل، هل يقتل والناس ينظرون؟ لا، فإقامة البينة مُتعذر.
فالجواب على ذلك أن نقول: ليصبر هذا الرجل الذي قتل الصائل دفعًا عن نفسه ليصبر ويحتسب، وهو إذا قُتِل فإن ذلك رِفْعة في درجاته عند الله عز وجل.
ولكن قد يقول قائل: إننا لا نتحمل هذا الأمر، لا نتحمل الإنسان يقتل بغير حق، فالْمَخْلَص هو أن نأخذ بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أنه تقبل دعوى ( ... ).
ولو أُخِذ بالقول الأول لحصل مفاسد عظيمة، وكان الرجل يقول: أُمكِّن هذا الإنسان الصائل من أن يفعل ما شاء بأهله لئلا يُقتل صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت قد يُفضِّل أن هذا الرجل ينتهك حُرمة أهله، ولا يقتله فيُقتل به، أليس كذلك؟ وهذا فيه من الشر والفساد ما لا يُحتمل. والصحيح الذي تطمئن إليه النفس، والذي يتعين القول به هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
وأوردتم أمس إيرادًا على هذا القول، قلتم: إذا كان القاتل الذي ادعى الدفع عن نفسه معروف بالصلاح والخير، وذاك معروف بالفساد والشر، أفلا يحتمل أن هذا القاتل قتله لا دفاعًا عن نفسه، ولكن من أجل إعدام المكث في الأرض، ما الجواب؟
الجواب: بلى، هذا وارد، يحتمل، لكن نظرًا لصلاح الرجل نقول: إنه يبعد لصلاحه أن يدعي أنه قتله دفعًا عن نفسه، وهو إنما قتله من أجل إزالة شره عن المسلمين، فنأخذ بالظاهر ونقول: هذا الاحتمال لا عِبرة به.