فالمهم أنه يجب على المسلمين أن يُحَرِّرُوا العقود التي بينهم، وأن تكون العقود مُحرَّرة، ومنطبقًا عليها الصدق، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ؛ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»(٢).
[باب الوديعة]
ثم قال المؤلف رحمه الله:(باب الوديعة). الوديعة مأخوذة من: ودع الشيء إذا تركه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ»(٣)، (عن ودعهم): يعني تركهم الجمعات، إذن (وديعة) فعيلة بمعنى مفعولة؛ أي متروكة، فما هي الوديعة إذن؟ هل هي كل متروك يسمى وديعة؟
لا، ليس كل متروك يسمى وديعة، وإلَّا لجعلنا من رمى بالمتاع الذي لا يريده لسمينا هذا المتاع وديعة.
لكن الوديعة اصطلاحًا هي التوكيل في الحفظ؛ يعني أن يوكل الإنسان شخصًا في حفظ شيء، فيكون هذا الموكَّل في حفظه يكون مُودَعًا؛ أي متروكًا عند مَنْ؟ عند الذي يحفظه، وتُسَمَّى عند الناس -في عرف الناس عندنا- تُسَمَّى أمانة؛ يعني أن تقول لشخص: أنا سوف أسافر فهذه مئة ألف ريال اجعلها عندك وديعة، فيأخذها المودَع ويحفظها، أو تقول لشخص: أنا بيتي ليس محكم القُفل، والباب ما ينغلق والجدار قصير، والشنطة ما لها قفل، ولو وضعت الدراهم فيها لكان عليها خطر فخذ هذه الدراهم عندك وديعة، يأخذها وديعة، وهل يتصرف فيها أو لا؟ أبدًا لا يتصرف فيها، حتى إن العلماء يقولون رحمهم الله: لو فك الحزام؛ الحبل الذي هي ( ... ) فيه؛ لَعُدَّ خائنًا وإن لم يأخذ منها شيئًا، لو يفك الحبل المربوطة فيه لعد خائنًا، وإن لم يأخذ منها شيئًا.
إذن ليس له الحق أن يتصرف فيها.
أودعته إناءً يحفظه، فجعل يطبخ فيه، نعم، ويستعمله، يجوز هذا ولَّا لا؟ لا يجوز، بل الواجب عليه أن يحفظ الإناء ولا يستعمله؛ لأنه وديعة.