مثال ذلك؛ في مسألة الإبريق التي مثَّلْنا فيها؛ أودعت عند شخص إبريقًا، وكان عنده أباريق، فقال: الحمد لله، جاء الله إليَّ بإبريق، وصار يستعمل إبريقي الذي أودعته عنده ويدع أباريقه، هذا أيش؟ متعدٍّ، ليش؟ فعل ما لا يجوز فيكون متعديًّا، في هذه الحال لو سُرِقَ الإبريق، ولو مُحْرَزًا فعليه الضمان؛ لأنه متعدٍّ، وبمجرد تعديه تكون يده كيدِ الغاصب، انتبه لهذا، بمجرد تعديه تكون يده كيد الغاصب ضامنة بكل حال.
التفريط قلت: ترك ما يجب؛ هذا الرجل إذا جاء الليل دخَّل أباريقه في الحجرة وسك عليها الباب، أما الإبريق الوديعة فيجعله خارج البيت، هذا ماذا نقول فيه؟ نقول: هذا مفرط؛ لأنه ترك ما يجب، فتكون يده حينئذ يد ضمان، يد ضمان فيضمن.
ولهذا قال المؤلف:(ولم يتعدَّ ولم يفرِّط لم يضمن)، إذا قال قائل: ما هو الدليل على أنه لا يضمن، مع أن المال تلف تحت يديه؟
قلنا: الدليل قوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}[التوبة: ٩١]، وهذا الذي أخذ الوديعة عنده -يا أخي- محسنٌ إليك بلا شك، فإذا تلفت فلا نُضَمِّنه؛ لأننا لو ضمناه لجعلنا عليه سبيلًا، والله سبحانه وتعالى يقول:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
قال:(ويلزمه)؛ يعني: شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يلزم الوديع، قال:(يلزمه)؛ الهاء تعود على من؟ المودَع.
(يلزمه حفظها في حِرز مثلها)؛ يلزمه أن يحفظها وأن يكون الحفظ أيضًا في الحرز، فلا بد من شيئين: من حفظها، وفي حرز، فمثلًا إذا كان كتابًا حفظه في المكتبة، لكن المكتبة في أرضها أرضة، فوضعه على الأرض، وتعرفون أن الأرض أن فيها أرضة، إذا وضعت فيها الكتاب أكلته، لم يجعله في الرفوف المنفصلة عن الأرض، نقول: هذا الرجل وضعها في حرز مثلها، ولكن حفظها ولَّا لا؟ لم يحفظها، بل فرَّط فيها، والواجب أن يضع الكتاب في موضع لا تناله الأرضة.