للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعُلم من قول المؤلف: (بغير إذن صاحبها) أنه لو قال له صاحبها: لا تعلفها، فتَرَك إعلافَها حتى ماتت فإنه لا يضمن، بناءً على أن ضمان البهيمة إذا تلفت جوعًا أو عطشًا من باب ضمان الأموال الصامتة التي لا رُوح فيها، والأموال الصامتة التي لا روح فيها إذا أتلفها الإنسان بإذن صاحبها فإنه لا يضمن.

لو أعطاني شخص ساعة وقال: خذ هذه الساعة كسِّرْها، وكسَّرْتها، أضمن ولا لا؟ لا أضمن؛ لأنني أتلفتها بقول صاحبها، فكذلك البهيمة، إذا حبستُ الطعام أو الشراب عنها وماتت بقول صاحبها: لا تطعمها، فإنني لا أضمن؛ لأن ضمانها ضمان مال.

وقال بعض أهل العلم: بل يضمن؛ لأن هذه نفس محترمة، ليست كالمال، المال لا يتألم، لو كسَّرته ما يتألم، لكن هذه تتألم، ونحن منهيُّون عن إيذائها، وعن الإشقاق عليها، ومعلومٌ أن حبس الطعام والشراب عنها إيذاءٌ لها وإشقاق عليها، فلهذا يجب عليه الضمان؛ لأن امتثال قول صاحبها في هذه الحال معصية لله، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فيجب عليه الضمان.

ولكن هذا القول له وجه كما علمتم؛ لأنه لو أمرني ألا أعطي هذه البهيمة ماءً عند العطش ولا طعامًا عند الجوع، فهذا أمر بمعصية، لكن ينبغي أن يقال: إن على المودَع الضمان، ولكنه يُجعل في بيت المال، ما يُعطى صاحب البهيمة؛ لأن صاحب البهيمة قد رضي بتلفها عليه، فكيف يرضى بتلفها عليه ونعطيه القيمة؟ ! فتجعل قيمتها في بيت المال.

فإذا قال المودَع: أنا لم أفعل إلا ما أمرتُ به، قلنا: نعم، أنت أمرت بهذا، لكن هل هذا سائغٌ لك عند الله؟ لا، غير سائغ، «فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ حَرَّى أَجْرٌ» (٤)، فلا يسوغ لك أن تدع الإنفاق عليها وأنت قادرٌ عليه لمجرد قول صاحبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>