للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعلم أن لدينا قاعدة الدعاوي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (١)، هذا في الواقع قاعدة أساسية في باب الدعاوي، وصدق النبي عليه الصلاة والسلام؛ لو يعطى الناس بدعواهم لقال رجل: هذا قتل ابني، ورجل قال: هذا أخذ مالي، ورجل آخر قال: هذا انتهك عرضي، وما أشبه ذلك، «وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».

وهنا قاعدة أخرى أيضًا يجب أن تُضَمَّ إلى هذا؛ وهي قول الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: ٩١].

وللنظر الآن في هذا الفصل.

قال: (ويقبل قول المودع في ردها إلى ربها) أودع زيدٌ عمرًا وديعة، وجاء زيد إلى عمرو وقال: أعطني وديعتي، فقال عمرو: قد رددتها عليك، فقال زيدٌ: لم تردها عليَّ، فمن القول قوله؟

على كلام المؤلف: القول قول عمرو، مع أننا لو طبقنا هذه المسألة على الحديث لكان القول قول زيد؛ لأن الاثنين اتفقا على أصول الوديعة، أليس كذلك؟ وادَّعى أحدهما أمرًا زائدًا على أصول الوديعة؛ وهو رد الوديعة، فمن المدعي الآن؟ المدعي عمرٌو المودع، فهو الذي ادعى الرد.

وعلى هذا فنقول مقتضى الحديث أن يكون القول قول المودِع لكن بيمينه، والمودِع في هذا المثال هو زيد، لماذا؟ لأن عمرًا مدعٍ وزيدٌ منكرٌ، والبينة على المدعي، واليمين على من أنكر.

فنحن جميعًا اتفقنا على أصل الوديعة وأن الشيء عند عمرو، ثم ادَّعى عمرٌو بعد ذلك أنه رده وأنكر زيد، فنقول لعمرو: هات بينة، وإلا فالقول قول زيدٍ.

لكن احتج الأصحاب رحمهم الله بعموم قول الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}، وقالوا: إن عمرًا محسن، فلا يكون عليه سبيل، ولو قلنا: إن القول قول زيدٍ لجعلنا عليه سبيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>