أما الصورة الأولى فقد ذكرنا في الدرس السابق أن المذهب قبول قوله. وعللوا ذلك بأنه محسن، ولو لم نقبل قوله لضمنه، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}.
وذكرنا القول الثاني في المسألة: أنه لا يُقْبَل قوله في الرد إلى ربها؛ لأن الأصل وجودها عنده، ودعوى الرد خارجة عن الأصل، وبيَّنا أن هذا القول يؤيده قوله تعالى في أموال اليتامى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}[النساء: ٦]، ومعلوم أن ولي اليتيم محسن، فإذا كان محسنًا فكيف يأمره الله بالأشهاد؟
وذكرنا أنه يمكن الرد على هذا الاستدلال بأن الله أمر بالأشهاد حماية للمدعي عن إلزامه باليمين؛ لأن ولي اليتيم وكذلك المودَع وإن قبلنا قوله في الرد فلا بد من اليمين.
حتى لو قلنا: يقبل قول المودَع فلا بد من اليمين، ولو أشهد على الرد لاكتفى بالبينة يمينًا، ولا يحتاج إلى يمين.
على كل حال هذه المسألة ذكرنا أنه لو قيل بالتفصيل؛ بحيث يقال: إذا كان المودَع معروفًا بالأمانة والصدق فالقول قوله، وإن كان الأمر بالعكس فالقول قول المودِع -بالكسر-؛ لأن الأصل عدم الرد، وبقاء ما كان على ما كان.
الصورة الثانية: إذا ردها إلى ما يحفظ مال ربها فهذه أبعد في قبول قوله مما إذا ادعاه إلى ربها؛ لأنه قد سبق لنا الخلاف هل يجوز أن يردها إلى من يحفظ مال ربها أو لا؟ فيضعف بذلك جانب جواز دفعها إلى من يحفظ مال ربها.
وإذا لم يقبل قول المودَع فيما إذا ردها إلى ربها، فعدم قبول قوله فيما إذا ردها إلى من يحفظ ماله من باب أولى.
الصورة الثالثة: إذا ادعى ردها إلى غيره بإذنه، فأنكر المودِع الإذن وقال: ما أذنت لك، فالقول قول -على كلام المؤلف- قول المودَع، فيحلف بأنك أذنت لي ورددتها إليه، يقول: واللهِ لقد أذنت لي أن أدفع الوديعة إلى فلان، ورددتها إليه.