إذا كان فلان مقرًّا فالأمر في هذا ظاهر، ما فيه مشكلة، إذا كان الذي ادعى ردها إليه مقرًّا وقال: نعم وحلف، فأظن أن الأمر سهل؛ لأن صاحب الوديعة يقال له: ارجع إلى ذاك.
لكن إذا أنكر وقال: ما أعطاني شيئًا فالمذهب: يُقْبَل قول المودَع.
والصحيح أنه لا يقبل قول المودَع في دفعها إلى غير ربها بإذنه؛ لأن الرد هنا مستفاد ممَن؟ من المالك، والمالك ينكر أن يكون أذن، والأصل عدم الإذن، فالصحيح أنه لا يُقْبل قول المودَع ( ... ).
إذن هذه المسألة فيها مرتبتان:
المرتبة الأولى: ثبوت أنه أذن في ردها إلى غير ربها.
والثاني: ثبوت الرد. لكن ثبوت الرد هذا كالصورة الأولى؛ لأنه إذا أذن ربها في دفعها إلى شخص فقد أقام هذا الشخص الذي أمرك بدفعها إليه مقام نفسه، فتكون دعوى الرد إليه كدعوى الرد إلى المالك وهو المودِع، ما أدري -واللهِ- المسألة مفهومة ولَّا لا؟
زيدٌ أودع عمرًا وديعة، ثم جاء يومًا من الدهر يطلبها وقال: أعطني الوديعة، فقال: رددتها .. ، يقول زيدٌ لعمرٍو: أعطني وديعتي، فقال عمرٌو: أعطيتها بكرًا بإذنك، أنت قلت لي: أعطها بكرًا.
المذهب يُقْبَل قول المودَع -وهو عمرو- بأن زيدًا أذن له في دفعها إلى بكرٍ وفي ردها إلى بكرٍ.
أقول: القول الثاني الذي نرى أنه هو الصواب أنه لا يقبل؛ لأن دعواه هذه تضمنت أمرين:
الأمر الأول: دعوى إذن ربها -الذي هو زيد- بدفعها إلى بكرٍ.
والأمر الثاني: أنه ردها إلى بكرٍ.
فنحن نقول: أثبت الأمر الأول، ما هو الأمر الأول؟ أنه أذن لك في دفعها إلى بكرٍ، فإذا أثبته فحينئذٍ يكون الحكم كالحكم فيما إذا ادعى دفعها إلى ربها.
نقول: إذا ثبت أنه أذن، ثم ادعى أنه دفعها إلى المأذون بدفعها إليه، نقول: إن قلنا بقبول دفعها إلى ربها قبلنا قولك، وإن قلنا بعدم القبول لم نقبل قولك.