للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبول قول المودع في الصورة الثالثة أضعف من قبول قوله في الصورة الثانية، وقبول قوله في الصورة الثانية أضعف من قبول قوله في الصورة الأولى، صح ولَّا لا؟ لأن الصور ثلاثة: دعوى أنه دفعها إلى ربها، ودعوى أنه دفعها إلى من يحفظ مال ربها، ودعوى دفعها إلى من أمره ربها بدفعها إليه، كل واحدة أضعف من الثانية؛ الثالثة أضعف من الثانية، والثانية أضعف من الأولى.

ثم قال المؤلف: ويقبل قوله أيضًا (في تلفها) هذا صحيح؛ يعني: يُقْبَل قول المودَع بأن الوديعة تلفت، فإذا جاء صاحبها يطلبها قال: واللهِ يا أخي تلفت، سُرِقَت، ضاعت، وما أشبه ذلك، فإن قوله مقبول، لماذا؟ لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، وليس كل إنسان يتلف منه شيء يذهب ويشهد الناس عليه، وقد يتعذر الإشهاد؛ كما لو سُرِقَت ليلًا.

ولو أننا قلنا بعدم قبول قوله لكان في ذلك سد لباب الإحسان أو لا؟ لأن كل إنسان لا يضمن أن تبقى الوديعة في حرزها، كل إنسان يخشى أن تتلف الوديعة.

فإذا قلنا: لا يُقْبل قوله في التلف إلا ببينة، إذن يقول: لا أقبل الوديعة، وما لي ولوديعة إذا تلفت ضُمِّنْتُها ولو كان بغير تكليف. إذن فالقول قول من؟ قول المودَع في أنها تلفت.

ولكن سبق لنا أن الفقهاء رحمهم الله يقولون: إذا ادَّعى تلفها بأمر ظاهر -كحريق وغرق- فلا بد من البينة على وجود هذا الأمر الذي حصل به التلف، ثم بعد ذلك يُقْبَل قوله في أنها تلفت به.

فمثلًا: إذا قال: واللهِ بيتي احترق، واحترقت وديعتك من ضمن ما احترق، فقال: لم تتلف، ماذا نقول للمودَع؟ أقم بينة على أن البيت احترق، فإن لم يقم بينة فإننا لا نقبل قوله، فإذا أقام بينة بأن البيت احترق، حينئذٍ نقبل قوله بأن الوديعة قد تلفت بهذا الاحتراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>