وسبق أيضًا أن القول قوله في عدم التفريط، وكذلك في عدم التعدي؛ إذا ادعى المودِع أن المودَع قد تعدى فإنه يقبل في نفيه قول المودع، ويقال للمودع: ائتِ ببينة، وإلا فالأصل عدم التعدي.
فالحاصل أن لدينا قاعدة؛ وهي أن من ادعى خلاف الأصل فعليه البينة، ومن ادعى الأصل فالقول قوله مع اليمين.
ثم قال المؤلف رحمه الله:(فإن قال: لم تودعني ثم ثبتت ببينة أو إقرار ثم ادعى ردًّا أو تلفًا سابقين لجحوده لم يقبلا ولو ببينة).
هنا نفى المودَع أن يكون المودِع قد أودعه، فقال: لم تودعني؛ يعني: جاء زيد إلى عمرو .. ؛ يعني مثال، نضرب الآن مثلًا: جاء زيد إلى عمرو فقال: إني أودعتك مئة ريال، فقال: أبدًا، لم تودعني، من القول قوله؟ المودَع؛ يعني: المدعى عليه، القول قول المدعى عليه؛ لأن هذا مدعٍ، والآخر مدعًى عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:«لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»(٢).
فيقال لهذا المودع الذي ادعى أنه أعطى عمرًا وديعة نقول: أثبتْ ذلك ببينة؛ لأن الرجل أنكر، فإذا لم يثبت بينة حلف المدعى عليه وبرئ.
ولكن إذا ثبت ببينة أو إقرار؛ يعني: ثبت أنه مودعه ببينة، فقال زيد لعمرو -الذي ادعي عليه-: عندي بينة، وأتى بالبينة تشهد بأن زيدًا أودع عمرًا مئة ريال، ثبت بالبينة الآن، أو إقرار؛ يعني: أتى زيد ببينة على إقرار عمرو بأنه أودعه مئة ريال.
والفرق بين البينتين أن البينة الأولى شهدت بالفعل، والثانية شهدت بالإقرار؛ فالأولى قالت: نعم، نحن نشهد أن زيدًا أعطى عمرًا مئة ريال وديعةً، والبينة الثانية قالت: نعم، نحن نشهد بأن عمرًا أقرَّ بأن زيدًا أعطاه مئة ريال وديعةً. الآن ثبتت الوديعة ولَّا لا؟