وأجابوا عن الحديث:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» بأن هذا الحديث من باب التنظيم لا من باب التشريع؛ يعني أن الرسول قاله تنظيما، فهو كقوله:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»(٢).
ولكننا نجيب عن ذلك بأن الأصل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام التشريع، فهو إذا قال:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» يعني: من عموم الناس، ليس يخاطب قومًا مُعَينين، يقول: إذا أحييتم الأرض فهي لكم، بل هذا عامٌّ، كما أننا نقول أيضًا في الحديث الثاني:«مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ»: أنه عام، وأن القاتل يُعْطَى سَلَب القتيلِ سواء شرطه الإمام أو القائد للجيش أم لم يشترطه.
ولكن هناك قول وسط، وهو أنه إن منع ولي الأمر من التملك بغير إذن فإن من تملك بغير إذنه فلا ملك له، ودليل هذا القول؛ قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]، فإذا قال: ولي الأمر لا أحد يحيي إلا بإذن، فإن الواجب علينا أن نقول: سمعنا وأطعنا، ولا نحيي إلا بإذن.
فإن قال قائل: إذا قلنا بذلك فإننا لا نأمن من جور ولي الأمر، بحيث يأذن لزيد ولا يأذن لعمرو، قلنا: على ولي الأمر حق وعلينا حق، أما ولي الأمر فعليه العدل بين الناس، وأما نحن فعلينا السمع والطاعة، فإذا أضاع ولي الأمر ما يجب عليه من العدل لم يحل لنا أن نضيع ما يجب علينا من السمع والطاعة، وعلى هذا العمل الآن عندنا، على أن من أحيا أرضا بغير إذن الإمام فإنه لا ملك له، وكان في السابق -قبل أن يصدر هذا المرسوم أو الأمر- كان من أحيا أرضًا فهي له، سواء أذن ولي الأمر أم لم يأذن؛ لأنه قد أطلق للناس الحرية في هذا الشيء، وهذا القول الذي ذكرناه هو الموافق للأدلة الشرعية وبه نطبق الحديث:«مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ»(١) سواء قلنا: إنه تشريع، أو: إنه تنظيم.